قوله تعالى: {فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين 116 وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون 117 ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين 118 إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين 119}
  (لولا) قوله: «ينهون»، عن أبي مسلم، ويُقال: إنه حرف تقريع، يقول لابنه: لولا تخلفك لجمعت لك المال، فأما الاستثناء في قوله: «إلا من رحم» قيل: استثناء منقطع، عن الفراء، والزجاج. وذلك لأنه إيجاب لم يتقدم فيه صيغة النفي، وإنما تقدم تهجين خرج مخرج السؤال.
  «قليلاً» نصب على الاستثناء.
  · المعنى: لما تقدم ذكر إهلاك الأمم بَبَّنَ تعالى أنهم أُتُوا من جهتهم، ولو كان فيهم مؤمنون لما استأصلناهم رحمة منا، ولكن لما عم الكفر استحقوا العذاب، فقال سبحانه: «فَلَوْلا كَانَ» أي: هلّا كان «مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ» من الأمم الماضية قبلكم «أُولُو بَقِيَّةٍ» قيل: ذووا بقية من دين وعقل، وقيل: أولو خير وطاعة، يقال: إنه لذو بقية، إذا كان فيه خير، ومعنى الكلام: هلا كان منهم من كان فيه خير ينهون عن الفحشاء حتى لا يعمهم الهلاك، وقيل: معناه: من كان يتقي على نفسه من عذاب، أي: يرحم نفسه فلا يعرضها لعذاب النار، عن الأصم، وأبي مسلم. وقيل: بقية خير من الماضين، كقولهم: فلان بقية المشايخ، وقيل: أولو بقية، أي: كان يجب أن تكون فيهم بقية، يعني هلا كانوا باقين مع كثرة الرسل، وإقامة الحجج، وينهون عن الفساد، فكيف اجتمعوا على الكفر فعمهم العذاب، عن أبي علي. ثم وصف أولو بقية فقال: «يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ» أي: هلَّا نهوا عن المنكر، فالمراد لم يكن في القرون بقية تنهى عن الفساد «إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنجَينَا مِنْهُمْ» استثناء منقطع، يعني لكن قليلاً منهم أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وهم أتباع الأنبياء، وأهل الحق، فأنجاهم اللَّه من جملة من أهلكهم، قال ابن جريج: استقل أهل الخير من كل قوم.
  ثم عاد الكلام إلى الأكثر فقال: «وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا» أنفسهم بالمعاصي «مَا أُتْرِفُوا