التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين 116 وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون 117 ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين 118 إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين 119}

صفحة 3583 - الجزء 5

  فِيهِ» أي: مالوا إلى الدنيا وزينتها واتبعوها، وقيل: اتبعوا ما عودوا من النعيم واللذات وأسباب الدنيا، عن الفراء. وقيل: نعموا، عن ابن عباس. وقيل: تجبروا في الملك، عن مجاهد. والترفه: الاشتغال بالملاذ والتنعم، وقيل: انظروا فذكر تعالى أنهم اتبعوا اللذات، ونسوا المنعم وشكره «وَكَانُوا مُجْرِمِينَ» أي: مصرين على الجرم، وقيل: مشركين، عن الأصم «وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ» قيل: بظلم صغير يكون منهم؛ لأنه يُكَفَّرُ بإصلاحهم، وقيل: بظلم كبير من قليل منهم، لأنه إذا كان الكثير مصلحين لا يعذبهم، وقيل: بظلم بأنه لا يهلكهم مع صلاحهم، أو إنما يهلكهم بذنوبهم وارتكابهم الكبائر، كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيئًا} عن أبي علي، وقيل: بشركهم وكفرهم وظلمهم أنفسهم «وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ» أي: لا يتظالمون بينهم، وإنما يهلكهم إذا تظالموا، وروي عن النبي، ÷ أنه قال في هذه الآية: «وأهلها ينصف بعضهم بعضًا». «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً» أي: على ملة واحدة فيكونوا مسلمين صالحين، عن قتادة، وذلك بالإلجاء على الإسلام، فلا يستحقون حينئذ الثواب فلا يشاء ذلك، ولكن شاء أن يؤمنوا باختيارهم، ليستحقوا المنزلة الرفيعة، عن أبي علي، وقيل: لو شاء لجعلهم أمة واحدة في الجنة تفضلاً منه، عن أبي مسلم، ولكن اختار لهم أعلى الدرجتين فكلفهم ليستحقوا الثواب، وقيل: لو شاء لجعلهم أمة واحدة، ورفع الخلاف عما بينهم «وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ» على أديان شتى بين يهودي ونصراني ومجوسي ونحو ذلك، عن مجاهد، وقتادة، وعطاء، والأعمش، والأصم، وقيل: مختلفين معناه أن خَلَفَ هَؤُلَاءِ الكافرين يخلف سلفهم في الكفر تقليدًا لا نظرًا واستدلالاً، عن أبي مسلم، وقيل: مختلفين كل صنف يضلل صاحبه ويكفره، وقيل: في الرزق والمال ليسخر بعضهم بعضًا، عن الأصم. وقيل: عامل للجنة وعامل للنار، وقيل: مختلفين في المغفرة والرحمة «إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ» قيل: يرحم بالألطاف من نجا من الاختلاف، وتمسك بالحق، والاستثناء منقطع، ومعناه: لكن من رحم اللَّه، وقيل: