قوله تعالى: {فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين 116 وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون 117 ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين 118 إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين 119}
  رحمه بالمدح والثناء والثواب بإيمانه، وقيل: إلا من رحمه بطاعته، وأضافه إلى نفسه لأنه بِأَمْرِهِ وهدايته. وتمكينه، وقيل: إلا من رحم ربك فنظر وعرف الحق «وَلِذَلِكَ خلقهُمْ» قيل: وللرحمة خلقهم، عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، وأبي علي، وهذا أولى الأقاويل في هذه الآية؛ لأن الرحمة أقرب إليه فرجعت الكناية إليه.
  ومتى قيل: الرحمة مؤنثة وهو قال: «ولذلك» دل أنه أراد الاختلاف؟
  قيل: معناه الفضل والإنعام فيحمل على المعنى، ولأن الرحمة مصدر، وذلك كثير في القرآن وكلام العرب، قال تعالى: {عَوَانٌ بَينَ ذَلِكَ} ولم يقل: تلك، وقال الشاعر:
  إِنَّ السَّمَاحَةَ وَالسَّخَاوَةَ ضُمَّنَا ... قَبْرًا بِمَرْوَ عَلَى الطَّرِيقِ الوَاضِحِ
  ولم يقل: ضمنت، قال الفراء: لأنه ذهب إلى المصدر، وقالت الخنساء:
  فَذَلِكَ يَا هِنْدُ الرَّزِيَّةُ فَاعلَمِي ... وَنِيرانُ حَرْبٍ حِينَ شَبَّ وَقودُهَا
  ولم تقل: فتلك.
  وقيل: معناه على الاختلاف خلقهم، عن الحسن، وعطاء، ومقاتل، واللام تكون بمعنى (على)، كقولك: أكرمتك على برك بي، ولبرك، ثم هذا يحتمل معنيين: أحدهما: أن تكون [لام العاقبة أي: خلقهم على علم منه بأنهم يختلفون]، وقيل: معناه إلا من | فنظر واستدل فعرف الحق، والنظر والاستدلال خلقهم للتعبد، فمنهم المطيع ومنهم العاصي، وللتعبد خلقهم، والوجه في الآية الذي حكيناه أولاً، والثاني كله تعسف.