التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قالوا ياأبانا ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون 11 أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون 12}

صفحة 3605 - الجزء 5

  والرتع: التصرف في الشهوات والسعة، رتع فلان في ماله: إذا أنفقه في شهواته، قال القطامي:

  أَكُفْرًا بَعْدَ رَدِّ المَوْتِ عَنِّي ... وَبَعْدَ عَطَائِكَ المِائَة الرَّتاعَا

  ورتع: أكل ما شاء، والمراتع: موضع الرتع، وهذه إبل رتاع، وقوم راتعون، وكل مخصب فهو راتع، وقيل: الرتع: الاتساع في الملاذ.

  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى أنهم عند اتفاق رأيهم فيما تراودوا فيه من أمر يوسف كيف سألوا أباهم، فقال سبحانه: «قَالُوا يَاأَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ» يعني لا تأمننا عليه ولا تبعثه معنا مع نصحنا له «أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ» بالنون يضاف إليهم، وبالياء إلى يوسف، قيل: يرتع في بقول الصحراء ويلعب، عن أبي علي، وقيل: يبسط ويسعى فيما يريد، عن مجاهد، وقيل: نرعى مواشينا ونلعب، وقيل: نرتع فيما نشتهي الطعام، ونلعب في المراعي، عن الأصم «وَإنَّا لَهُ» ليوسف «لَحَافِظُونَ» قيل: نحفظه لنرده عليك، وقيل: نحفظه في حال لعبه، قال مقاتل: في الآية تقديم وتأخير، وذلك أن إخوة يوسف قالوا له: أرسله، فقال أبوهم: إنه ليحزنني، فحينئذ قالوا: ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون؟، والكلام يصح من غير تقديم ولا تأخير، فلا معنى لحمله عليه، وقيل: استأذنوه دفعات فلم يأذن، فقالو: ما لك لا تأمنا؟ قال الحسن: جعل يوسف في الجب، وهو ابن تسع عشرة، وكان في البلاء إلى أن وصل إليه أبوه ثمانين سنة، ولبث بعد الاجتماع ثلاثًا وعشرين سنة، ومات وهو ابن عشرين ومائة سنة.

  وذكر الأصم: كان يوسف يوم أُلقِيَ في الجب له عشر سنين، وقيل: كان له ثماني عشرة سنة، وقيل: اثنتا عشرة سنة، والأقرب أنه كان صغيرًا، فما قاله الأصم أقرب.