التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وجاءوا أباهم عشاء يبكون 16 قالوا ياأبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين 17 وجاءوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون 18}

صفحة 3613 - الجزء 5

  كنَّا صَادِقِينَ»، عن الحسن، والسدي، وأبي علي، والزجاج، وإنما قالوا ذلك لأنه كان يتهمهم في أمره «وَجَاءوا عَلَى قَمِيصِهِ» أي: قميص يوسف «بِدَمٍ كَذِبٍ» لأنه لم يكن دم يوسف، وقيل: ذبحوا سخلة، وجعلوا دمها على قميص يوسف بدم كذب، عن ابن عباس، ومجاهد، وقيل: قال لهم: أروني القميص فقال: يا بني ما عهدت الذئب حليمًا، لو أكل لحمه لمزق قميصه، عن الحسن، فقالوا: بل قتله اللصوص، فقال: كيف قتلوه وتركوا قميصه، وهم إلى قميصه أحوج منهم إلى قتله، وقيل: كان في قميص يوسف ثلاث آيات: حين ألقي على وجه أبيه فارتد بصيرًا، وحين قُدَّ من دبر، وحين جاؤوا على قميصه بدم كذب، عن عامر الشعبي. فحينئذ «قَالَ» يعقوب «بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكم» يعني: ليس الأمر كما تقولون بل سولت، قيل: زينت، وقيل: التسويل بتزيين النفس بما ليس بحسن، عن قتادة، وقيل: سهل بعضكم لبعض حتى يسهل عليكم، ففعلتموه، عن أبي مسلم، وأبي علي «أَمْرًا» أي: في يوسف غير الذي قلتم ففعلتموه «فَصبرٌ جَمِيلٌ» أي: شأني صبر جميل، يعني أصبر صبرًا جميلاً، والجميل: هو صبر لا شكوى فيه ولا جزع، والصبر إنما هو على فعل اللَّه، وهو تخلية، وقيل: امتحانه بمحبة يوسف مع مفارقته، فأما الصبر على فعل الظالم فلا يجب، وقيل: معناه لا أعاشركم غير جميل ولا عبوس، بل أعاشركم جميلاً، وقيل: لما سقط حاجبا يعقوب على عينيه، قيل له: ما هذا؟ قال: طول الزمان وكثرة الأحزان، فأوحى اللَّه إليه: يا يعقوب أتشكوني؟ قال: رب خطيئة أخطأتها فاغفرها، وهذا بعيد؛ لأن ما قاله يعقوب ليس بشكوى، وهو بمنزلة قول أيوب: {مَسَّنِيَ الضُّرُّ} لأن الشكوى من فعل الظالم جائز، وقيل: يجوز أن يكون متعبدًا بترك إظهار الشكوى مندوبًا إليه، كما هو في شريعتنا، وقيل: نزل البلاء بيعقوب على كبره وبيوسف على صغره بلا ذنب منهما، فأكب يعقوب على حزنه، وانطلق يوسف في رقه، وكل ذلك بعين اللَّه تعالى يرى ويسمع حتى أتى بالمخرج، وكل ذلك امتحان