قوله تعالى: {ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين 24 واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم 25 قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين 26 وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين 27 فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم 28 يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين 29}
  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى ما جرى بينهما، ونزه نبيه عن كل سوء، فقال سبحانه: «وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا» أي: قصدت هي، وقصد هو، واختلف العلماء فيه على قولين: منهم من قال: لم يوجد من يوسف ذنب كبير ولا صغير، ومنهم من قال: بل وجد منه، ثم انصرف وندم.
  فأما الأولون اختلفوا في معنى الآية على أقوال: فقيل: همها القصد والعزيمة، وهمه الشهوة وميل الطبع، عن الحسن، وأبي علي، قال الحسن: كان همها أخبث [الهَمِّ]، وأما همه فما طبع عليه الرجال من شهوة النساء، ويقال: همنى كذا: أي اشتهيت، وعلى هذا: «لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبّهِ» يتعلق بمحذوف، تقديره: ولولا أن رأى البرهان لَعَزَمَ ولَفَعَلَ، وقيل: همها القصد، وهمه تمناها أن تكون له زوجة، عن الضحاك، عن ابن عباس، وقيل: الهم علق بما لا يصح تعليق العزم والإرادة به؛ لأنها موجودة باقية، فالذي يتعلق به الهم محذوف في الجانبين، فلا بد من إضمار، فكأنه قال: ولقد همت به أرادت الفاحشة منه، وهم بها لضربها ومنعها عن نفسه، كما يقال: هممت بفلان أي: بضربه وإيقاع مكروه به، ومعنى «لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ» أي: لولا البرهان لضرب، ولو ضرب لأهلكه أهله، أو كانت تدعي عليه المراودة على القبيح، وأنه ضربها لامتناعها، فأراه اللَّه تعالى البرهان ليمتنع من الضرب، وتقديره: وهم بضربها ودفعها، ولولا أن رأى برهان ربه لضرب فجواب (لولا) محذوف على هذا المعنى أيضًا، وقيل: في الآية تقديم وتأخير، أي: ولقد همت به ولولا أن رأى برهان ربه لهمَّ بها، وهذا قول أبي مسلم وجماعة، وأنكر هذا الوجه الزجاج وعلي بن عيسى وضَعَّفَاه، وعللا بوجهين: أحدهما: أنه لا يجوز تقديم جواب (لولا)، والثاني: أن جوابه يكون باللام كقوله: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ١٤٣ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ١٤٤}، وممن أجازه جماعة من أهل العربية، وقالوا: يصح أن يقال: لقد قُتِلْتَ لولا أن خلصتك، وقد قال تعالى: {إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ