التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين 54 قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم 55 وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين 56 ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون 57}

صفحة 3663 - الجزء 5

  تاب كما عصم من استعصم، وقيل: غفور لما حدث مني، رحيم بي يدخلني الجنة، وبجميع خلقه.

  · الأحكام: تدل الآيات على صدق يوسف وصبره وكثرة أناته حيث رَدَّ الرسولَ ليظهر براءته.

  ويدل قوله: «وإنه لمن الصادقين» على براءته وبطلان ما ترويه الحشوية في بابه، وقد بلغ من جهلهم أن رووا أن يوسف لما قال: «ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب» قال جبريل: ولا حين هممت؟ فعند ذلك قال: «وما أبرئ نفسي»، ورووا أنه قال له: ولا حين حللت تكتك؟ وقيل: قالت المرأة له ذلك، فضموا إلى ما نسبوا إليه من الفاحشة نسب الكذب إليه، حتى نبهه جبريل. وكتاب اللَّه أصدق، وقوله أحق.

  ومتى قيل: لو لم يفعل شيئًا، ولم يَهُمَّ فما معنى قوله: «وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي»؟

  قلنا: إن حمل على أنه من كلام يوسف، فإنما سلك طريقة الصالحين في ذم النفس، فلولا عصمة اللَّه تعالى لارتكب ما دعته شهوته إليه، ولأن المرء لا يثق من نفسه كل الثقة حتى يبرئها، ويحتمل أنه أراد ما [أبرئها من] الشهوة.

  وعن مطرف بن عبد اللَّه: أنتم تعجبون ممن هلك كيف هلك، وأنا أعجب ممن نجا كيف نجا، نفس أمارة بالسوء، وعدو يراك من حيث لا تراه.

قوله تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ ٥٤ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ٥٥ وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ٥٦ وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ٥٧}