قوله تعالى: {وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين 54 قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم 55 وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين 56 ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون 57}
  الرجال والنساء، قال تعالى: «وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ» أي: كذلك كان سببا تمليكنا إياه، يعني رؤيا الملك، وما اقتصصناه عليهم، عن الأصم، وأبي مسلم. ومكناه أي: ملكناه أرض مصر «يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيثُ يَشَاءُ» بمعنى ينزل حيث يشاء.
  ومتى قيل: إذا كان الملك هو المُمَكِّنَ له، فكيف أضيف ذلك إلى اللَّه تعالى؟
  قلنا: لأنه حصل بلطفه وهدايته وقوة الدواعي من جهته، وهيأ الأسباب حتى مَلَّكَهُ.
  «نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ» أي: نختص بنعم الدين والدنيا من نشاء «وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحسنينَ» المطيعين لله تعالى، قيل: الصابرين، عن ابن عباس، ووهب، وقيل: دعا الملك إلى الإسلام، فأجاب وأسلم، عن مجاهد «وَلأجرُ الآخِرَةِ» أي: ثواب الآخرة «خَيرٌ» أي: أفضل من نعم الدنيا «لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ» المعاصي.
  · الأحكام: تدل الآية على أنه يجوز للمرء أن يمدح نفسه إذا كان فيه مصلحة، ولم يكن فيه استطالة وتفاخر، وقد قال النبي ÷: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر».
  وتدل على أن التولي من جهة الظلمة جائز، وهذا على وجهين: إن كان حدًّا أو حكمًا لم يجز، وفيما يجري مجرى الأمر بالمعروف، والتصرف في ملكه يجوز، وفي العقل يجوز مطلقًا، ولا يعلم كيف كان الشرع في ذلك الوقت، والأصح أنه إنما تولي ثم تصرف من جهة نفسه، لما علم أن الأمر يؤول إليه.
  وتدل على أن ذلك التمكين والملك حصل بلطف اللَّه وتدبيره ونصرته في المواطن.