قوله تعالى: {وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين 54 قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم 55 وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين 56 ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون 57}
  ثلاثون سنة، ثم قال: إني أحب أن أسمع رؤياي منك، فأعادها عليه، فقال الملك: ومن يكفي هذا الأمر، ف «قَالَ» يوسف «اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ» يعني أرض مملكته، وهو أرض مصر «إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ» قيل: حفيظ عمن لا يستحقها، عليم بوجوه التدبير فيها، عن قتادة، وابن إسحاق، وأبي علي، وقيل: عليم بوجوه متصرفاتها، عن الزجاج، وإنما سأل ذلك لصلاح العباد لحسن تدبيره لهم، وقيل: (حفيظ عليم) كاتب حاسب، وقيل: حافظ للحساب عليم بالألسن، وقيل: حفيظ بتقديره في هذه السنين، عليم بوقت الجوع حين يقع، عن الكلبي.
  ومتى قيل: كيف مدح نفسه؟
  قلنا: ذلك جائز إذا لم يكن فيه استطالة، وقيل: إنما ذكر ليعرف الملك حاله، فيقيمه في تلك الأمور لما فيه من صلاح العباد والبلاد.
  ومتى قيل: كيف تولى من جهة الكفرة والظلمة؟
  قلنا: ذلك يجوز عقلاً إذا تمكن من وضع الحق مواضعه، ولأن ما يجري مجرى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا لم يتمكن منه إلا بالتولي من جهته جاز بخلاف الحدود والأحكام، وبعد فإنه كان يفعل ذلك من جهة نفسه لكونه نبيًا وإمامًا، وكان له أن يفعله بغير أمره، فإذا استأذنه لتسقط كلفة المخالفة جاز، وبعد فإنه ليس فيه ما يجري مجرى الولاية، وإنما هو التصرف في ملكه.
  قال القاضي: والأقرب أنه علم أنه إذا تولى الخزائن، وتمكن منه آل الأمر إليه؛ فلهذا طلب ذلك ففوض الملك أمور مصر إليه، وعزل قطفير، وسلم سلطانه وخزانته إلى يوسف، ودخل بيته، وهلك العزيز في تلك الأيام، فزوجت راعيل من يوسف، فولدت له رجلين: افرائيم، وميشا، واستوسق له أمر مصر فعدل فيما بينهم، فأحبه