التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون 69 فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون 70}

صفحة 3682 - الجزء 5

  «فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ» قضى حاجتهم وحملهم الطعام، ووفاهم الكيل، وجعل لكل واحد حمل بعير، ولبنيامين مثله، وقيل: جهزهم هيأ لهم أسباب الميرة «جَعَلَ السِّقَايَةَ» قيل: المشربة التي كان يشرب بها الملك، وقيل: كان كأسًا من ذهب، عن ابن زيد، وقيل: كان يسقى بها الملك، وقيل: جامًا من فضة، عن الحسن، وابن إسحاق، وروي ذلك عن ابن عباس، وقيل: كان ذلك من فضة مرصعة بالجواهر، عن عكرمة، وقيل: كان يسقى بها الملك، فلما جاء أيام القحط جعلها ليوسف مكيالاً لا يكال بغيرها، وأنكر الأصم ذلك، وذكر أنه مِشْرَبَة للملك «فِي رَحْلِ أَخِيهِ» التي يحمل فيها الطعام، ثم ارتحلوا وانطلقوا، ثم أدركوا وحبسوا، وأذن مؤذن أي: نادى منادٍ «أَيَّتُهَا الْعِيرُ» القافلة أو أهل العير، وقيل: كانت القافلة من الحمير، عن مجاهد «إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ».

  ومتى قيل: لِمَ جاز النداء بالكذب؟

  قلنا: فيه قولان:

  الأول: أن يوسف لم يأمرهم بذلك، ولم يعلمهم، وإنما كان أَمَرَ بجعل السقاية في رحل أخيه، فلما فقدها الموكلون اتهموهم بسرقتها، ونادوهم، عن أبي علي.

  الثاني: أنهم نادوهم على ظاهر الحال فيما يغلب على ظنونهم، ولم يكن بأمر يوسف، وإن علم أنهم سيفعلونه، وقيل: عنوا به «إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ» يوسف عن أبيه فيما قيل، ولم يريدوا الصواع، عن أبي مسلم.

  وعن كعب لما قال يوسف له: «إِنِّي أَنَا أَخُوكَ» قال: إني لا أفارقك، فتوصل إلى المقام عنده بهذا الصنيع، قال أبو علي: أعلم أخاه أنه يحتال لاحتباسه عنده.

  · الأحكام: تدل الآية على أن يوسف أطلعه على أنه أخوه، هذا هو الظاهر، وأنه حبسه بمواطأة منه على ما ذكره أبو علي.