التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون 69 فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون 70}

صفحة 3681 - الجزء 5

  قلنا: إن ذكَّر رجع إلى الصاع، والتأنيث إلى السقاية.

  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى دخولهم مصر، وكيف جرى الأمر، فقال سبحانه: «وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوَى إِلَيه أَخَاهُ» من الطرفين بنيامين، قيل: ضمه إليه، وأنزله معه، عن الحسن، وقتادة، وقيل: لما دخلوا عليه قالوا: هذا أخونا الذي أمرتنا أن نأتيك به، فقال: أحسنتم، ثم أنزلهم وأكرمهم وأضافهم، وأجلس كل اثنين على مائدة، فبقي بنيامين فَرْدًا، فبكى، وقال: لو كان أخي حيًّا لأجلسني معه، فقال يوسف لهم: بقي أخوكم وحده، فاجلس معي، فجعل يؤاكله، فلما كان الليل أنام كل اثنين على فراش، وضم بنيامين إلى نفسه، وجعل روبيل يقول: [ما رأينا] مثل هذا، ثم أنزل كل اثنين منزلاً، وأنزله معه في منزله، و «قَالَ» له «إِنِّي أَنَا أَخُوكَ» قيل: أطلعه على أنه أخوه، وقيل، لا يسوؤك ما عملته الإخوة لمكاننا، ثم رأى المصلحة في حبسه، فجعل السقاية في رحل أخيه بمواطأة منه، لكيلا يسوؤه ذلك، عن أبي علي، والأصم، وأبي مسلم، والقاضي، وقيل: سأله عن أمه وأخيه، فأخبره بذلك، وبما أسلفوا إلى أخيه يوسف، فقال: «إِنِّي أَنَا أَخُوكَ» مكان أخيك، ولم يطلعه على أنه أخوه، ثم احتال في تحصيله عنده، وقال: لا تبتئس بما فعله الإخوة، عن وهب، والشعبي «فَلا تَبْتَئِسْ» أي: لا تحزن «بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» أي: بما سلف من فعل إخوتك إليك، وإلى أخيك من أمك، وقيل: لا تبتئس باستبدادهم بالأموال والتصرفات، وضيق يدك، فقد زال ذلك، عن أبي علي.

  ومتى قيل: بهذا الصنيع أحزن والده وإخوته وصيرهم متهمين؟

  قلنا: إذا كان فيه مصلحة جاز، ولأنه يؤدي إلى إزالة غموم جمة، فجاز وإن كان فيه غم، على أنه فعله بوحي، وأما التهمة فلا ينبغي لأحد أن يتهمهم، وهم أنبياء.