التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون 71 قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم 72 قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين 73}

صفحة 3686 - الجزء 5

  قلنا: إنما قالوا ذلك لما رأوا من صحة معاملتهم لشدة توقيهم لما لا يجوز، وصلاحهم في الأمور وعبادتهم حتى عرفوا بالستر، وأنهم لا يتناولون ما ليس بحق لهم، وقيل: لأنهم ردوا البضاعة التي وجدوها، وهذا لا يليق بحال السراق، عن الكلبي.

  وقيل: لما دخلوا مصر شدوا أفواه دوابهم كيلا تتناول حرث الناس، وكانوا لا يظلمون أحدًا، ولا يطؤون زرعًا.

  ومتى قيل: كيف نودوا بالسرقة ولم يسرقوا؟

  فجوابنا: قيل: نودوا لا عن أمر يوسف وعلمه، عن أبي علي، وقيل: هو أمر بذلك، وأراد أنهم سرقوه من أبيه، عن أبي مسلم.

  · الأحكام: تدل الآية على أن الحيلة في المباحات تحسن ليصير ما هو حرام حلالاً، فإن يوسف لو حبس أخاه من غير حيلة ذم عليه، فاحتال بحيلة حتى أسقط الذم عن نفسه، ولهذا قلنا: إنَّ جِلْدَ الميتة يطهر بالدباغ، وأن الخمر يجوز تخليله، ولهذا تصح العقود في تحليل المحظورات.

  وتدل على صحة الكفالة والضمان.

  وتدل على أن من فقد شيئا يجوز أن يعطي على وجوده جُعْلاً.

  وتدل على أن الزعيم غارم، يلزمه ما ضمن، كما هو في شريعتنا من وجوب الضمان على الكفيل والضمين.

  وتدل على براءة إخوة يوسف بقوله: «مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارقِينَ».

  وتدل على أن ما فعلوا بيوسف كان في صغرهم؛ لنفيهم عن أنفسهم الفساد والسرقة.