التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون 77 قالوا ياأيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين 78 قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون 79}

صفحة 3694 - الجزء 5

  ومتى قيل: ما الذي حملهم على أن يفدوه بأنفسهم؟

  قلنا: تعظيمًا للموثق الذي آتوه، فتشفعوا وترفقوا في القول كي يخلصوه، وقيل: لما تقدم منهم في أمر يوسف فعلموا أنه لا يقبل معاذيرهم، وقيل: إشفاقًا على أبيهم، ورعاية لقلبه؛ لئلا يزيد حزنًا على حزن «إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ» قيل: في أفعالك، وقيل: إلينا في الكيل، ورد البضاعة والإضافة، فأملنا هذا منك لإحسانك إلينا، عن الأصم، وقيل: إن فعلت ذلك كنت من المحسنين، عن ابن إسحاق، فأجابهم يوسف، و «قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ» أي: أعوذ بِاللَّهِ أن أفعل ذلك، لكنا ظالمون في ذلك، لا نأخذ بريئًا بمجرم، وقيل: بتغيير حكم اللَّه، وذلك يدل على أن حكم اللَّه كان الاسترقاق، وقيل: لأن المصلحة والمبتغى كان في أخذ أخيه لا في أخذ غيره، وقيل: ذكرهم قولهم: {جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ} فبين أن هذا إذا كان حكمه فَتَرْكُهُ ظُلمٌ، عن أبي مسلم.

  · الأحكام: تدل الآية على أن ما سبق منهم في أمر يوسف كان في حال الصغر؛ ألا ترى لما كبروا كيف أرادوا أن يجعلوا أنفسهم فداء أخيه إشفاقًا عليه، وعلى أبيهم.

  وتدل على عظيم شفقة الآباء، قالوا: «إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا».

  وتدل على أن الكبر وسيلة حيث توسلوا بقولهم: شيخًا كبيرًا.

  وتدل على أن أخذ البريء بالمجرم ظلم، ومن فعله كان ظالمًا، فتدل على أنه تعالى لا يفعل ذلك.

  وتدل على أن ذلك فِعْلُهُ حتى يكون هو الظالم، فيبطل قول مخالفينا في المخلوق.