التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون 77 قالوا ياأيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين 78 قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون 79}

صفحة 3693 - الجزء 5

  ولم تكن قلوبهم خالية من الحسد بعد أن فعلوا به ما فعلوا، عن الأصم، وهذا لا يصح، وسنبين الكلام فيه من بعد.

  «فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ» أي: أسر الكلمة ولم يظهرها، قيل: هي قوله: «أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا» عن الحسن، وأبي مسلم، تقديره: أنتم شر مكانًا متى قلتم هذا «وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ» أنه كذب، عن ابن عباس، والحسن، وقتادة، وقيل: أسر يوسف كلامهم في نفسه، ولم يبدها لهم كيلا يعلموا أنه يوسف، عن الأصم، وأبي علي؛ إذ لو قال: أنا يوسف متى سرقت لعلموه، وقيل: أسر أمر السقاية، ولم يذكر براءة أخيه من السرقة، بل سكت عن ذلك.

  ومتى قيل: لماذا أسرها؟

  قلنا: كيلا يعلموه، وقيل: انتظر فيه الوحي، وهو الوجه.

  «قَال» يوسف لهم «أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا» قيل: شر منزلاً عند اللَّه ممن رميتموه بالسرقة في صنيعكم بيوسف، وقيل: أنتم شر طريقة ومقالاً حيث دفعتم السرقة، ولا أصل لها.

  ومتى قيل: كيف خاطبهم بهذا وهم أنبياء، وكيف أضافوا السرقة إليه؟

  قلنا: قال الحسن: لم يكونوا أنبياء في ذلك الوقت، وإنما أعطوا النبوة من بعد، وقيل: إنما قالوا: «فقد سرق» على الظن، وظاهر ما سمعوا من حديث المنطقة والصنم، فأما خطاب يوسف إياهم، فالمراد أن ما فعلتم بيوسف شر مَكَانًا، وأنتم شر مكانًا في ذلك «وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ» قيل: تقولون، وقيل: تكذبون، عن قتادة.

  ولما حبس يوسف أخاه عنده، ورأوا أنه لا سبيل إلى تخلصه سألوه تخليته، وحبس واحد منهم بدلاً منه، ف «قَالُوا يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا» يعنون يعقوب «فَخُذْ أَحَدَنَا» عبدًا «مَكَانَهُ» وبدلاً منه، عن الحسن.