التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {يابني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون 87 فلما دخلوا عليه قالوا ياأيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين 88 قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون 89 قالوا أإنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين 90}

صفحة 3708 - الجزء 5

  يحزن بفقد واحد حتى كف بصره، فكيف إذا أتاه في بنيه، وقال ليوسف: ابعث بأمتعتنا إلى أبينا، فرحمهم وبكى، وقال ذلك، عن الكلبي. وفيه نظر، وقيل: إنما قال ذلك حين قرأ كتاب يعقوب إليه، وكان فيه: (من يعقوب إسرائيل اللَّه بن إسحاق ذبيح اللَّه بن إبراهيم خليل اللَّه، إلى عزيز مصر، أما بعد فإنا أهل بيت موكل بنا البلاء، ألقي جدي في النار، فجعلها اللَّه عليه بردًا وسلامًا، وأما أبي فشدت يداه ورجلاه، ووضع السكين على قفاه، ففداه اللَّه، وأما أنا فكان لي ابن، وكان أحب أولادي إليَّ، ذهب عني، وكان له أخ أتسلى به، فذهبوا به، ثم رجعوا، وقالوا: إنه سرق، وإنك حبسته، وإنا أهل بيت لا نسرق، ولا نلد سارقًا، فإن رددته، وإلا دعوت عليك دعوة تدرك السابع من ولدك)، فلما قرأ يوسف لم يتمالك البكاء، وقال: هذا كلام من أهل بيت النبوة، وأظهر ما أظهر، وقيل: قال لأخيه بنيامين: هل لك ولد؟ قال: نعم ثلاثة بنين، قال: ما سميتهم؟ قال: سميت الأكبر يوسف محبة لك؛ لأذكرك به، وسميت الثاني ذئبًا؛ لأذكرك به، فلما سمع يوسف هذه المقالة تغير، وقال ما قال «هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ» من إلقائه في الجب، والعزم على قتله إلى أن منع اللَّه «وَأَخِيهِ» قيل: بالتفريق بينهما حتى أفردوه «إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ» قيل: كنتم في ذلك الوقت جهلاء جهالة الصبا لا جهالة العصيان؛ لأن (إذ) إشارة إلى ذلك الوقت، فدل أنهم في الحال بخلاف ذلك لولاه لقال: وأنتم جاهلون، وقيل: ذكر ذلك عذرًا لهم؛ ليعتذروا به، وقيل: إذ أنتم صبيان، عن ابن عباس، وقيل: شبان، عن الحسن، وقيل: مذنبون، وقيل: جاهلون بما يؤول إليه أمر يوسف وأمركم «قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ» قيل: عرفوه، عن أبي علي، وقيل: توهموا أنه يوسف، عن الأصم.

  واختلفوا بماذا عرفوه؟ قيل: لما قال ذلك القول، ورفع الحجاب عرفوه، قالوا: أئنك لأنت يوسف، عن ابن عباس، وقيل: وضع التاج عن رأسه فعرفوه بشامة، عن ابن عباس، وقيل: لما سمعوا قول أبيهم: إنه حي، وإنه المانع لبنيامين، وسمعوا كلامه، «قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ» متعجبين «قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي» من أمي «قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا» أي: أنعم بأن جمع بيننا، وقيل: بسائر نعمه دينًا ودنيا «إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ» قيل: بأداء فرائضه واجتناب معاصيه، ويصبر عما حرم عليه، وقيل: يتقِ الزنا