التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين 91 قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين 92 اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا وأتوني بأهلكم أجمعين 93}

صفحة 3712 - الجزء 5

  يَأْتِ بَصِيرًا» أي: يعود مبصرًا، وفيه معجزة له، وقيل: يأتيني بصيرًا، وكان دعاه، وقيل: كان أعمى فصار بصيرًا، عن الحسن، والسدي، وقيل: إنما ائتمنهم على القميص لما عرف من إنابتهم وصلاحهم.

  ومتى قيل: ما معنى حمل القميص إليه؟

  فجوابنا: قيل: علامة جعلها اللَّه ليشم منه رائحة يوسف قبل لقائه، وقيل: ليعلم صدق ما يقولون، ويعلم حياته فيأتيه، وقيل: أمره جبريل بإرسال القميص، فإن فيه ريح الجنة، لا يقع على مبتلى ولا سقيم إلا صح وعوفي، وقيل: ليعلم نبوته حيث رد بصره بشم قميصه، ففيه بشارة به، وبأنه نبي «وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ» قيل: بجميع قومكم وأولادكم لينزلوا معي مصر.

  · الأحكام: يدل قوله: «آثرك اللَّهُ علينا» أنه كان نبيًّا.

  ومتى قيل: إنه أراد به النعم وما آتاه من الصبر أو بالعلم والملك لم يصح الاستدلال به، وقد ذكر القاضي قوله: «إِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ» أن ذلك يدل على أنهم كانوا بالغين؛ لذلك اعترفوا بالذنب، وأما أبو علي فحمله على الخطأ في إخفاء أمر يوسف على يعقوب لكي لا يشتد حزنه.

  وتدل على أنهم تابوا مما سلف لذلك قال: «لا تثريب»، و «يغفر اللَّهُ لكم».

  وتدل على معجزة في القميص ليوسف، عن أبي مسلم، وروي عن النبي ÷ لما فتح مكة أخذ بعضادتي الباب، وفيه الملأ من قريش، وقال: «لا إله إلا اللَّه وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ماذا تقولون، وماذا تظنون»؟ قالوا: نظن خيرا، ونقول خيرًا، أخ كريم، وابن أخ كريم، وقد قدرت فاعف، قال: «إني أقول كما قال أخي يوسف «لا تثريب عليكم اليوم»، ثم قال: «ألا إن كل دم ومال ومأثرة كانت في الجاهلية فهي تحت قدمي، إلا سدانة البيت وسقاية الحاج».