التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين 91 قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين 92 اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا وأتوني بأهلكم أجمعين 93}

صفحة 3711 - الجزء 5

  ومتى قيل: كيف قالوا خاطئين، وهم كانوا صبيانًا؟

  فجوابنا: قيل: إنهم ابتدؤوا الفعل وهم صبيان، وبلغوا مُصِرّينَ على كتمان الأمر عن أبيهم يوهمون أن ما أخبروه على ما أخبروه، عن أبي علي، وقيل: كان يلزمهم الاستغفار بعد البلوغ، وقيل: التوبة وإن لم تجب فهو حسن، فلذلك استغفر لهم، وقيل: كانوا بالغين، ولم يكونوا أنبياء، والأول الوجه.

  «قَالَ» يوسف «لاَ تَثْرِيبَ عَلَيكُمُ الْيَوْمَ» قيل: لا تفتيش ولا توبيخ، عن سفيان، وأبي علي، وقيل: لا معاقبة ولا إفساد، عن أبي عبيدة، وأبي مسلم، يعني لا يلحقكم مني ما يفسد حالكم، وقيل: لا تعداد للذنوب، وقيل: لا لوم عليكم، اليوم يرفع اللوم، قيل: لأنه أول أوقاته التي كشف فيها نفسه لهم، فكان وقت الانتقام، فمتى عفا لم يرجع، وقيل: لأن يوسف قدم توبيخهم وهم لا يعرفونه، فلما بين لهم أمره قال: لا تثريب اليوم، أي: الآن انقطع ذلك ومضى، وقيل: أراد باليوم الزمان، فيدخل فيه جميع الأوقات، قال الشاعر:

  فَاليَوْمَ يَرْحَمُنَا مَنْ كَانَ يَغْبطُنَا ... واليَوْمَ نَتَّبِعُ مَنْ كَانَوا لَنَا تَبَعَا

  وقيل: تم الكلام عند قوله: «لا تَثْرِيبَ عَلَيكُمُ» ثم ابتدأ بقوله: «الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ» وقيل: خص اليوم لأنهم ندموا وتابوا، عن أبي علي «يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ» قيل هو دعاء لهم، وقيل: لما كان اللَّه تعالى آخذًا لحقه منهم حسن منه على طريق الإجلال لهم أن يقول ذلك، والمغفرة ستر الخطيئة برفع العقوبة «وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ٩٢ اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا» قيل: لما عرفهم يوسف نفسه سألهم عن أبيه فقالوا: ذهبت عيناه فقال: «اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا» وأعطاهم قميصه، عن السدي، وقيل: كان ذلك القميص هو الذي على بدنه بعثه ليشم رائحته منه، عن أبي علي، وأبي مسلم، وقيل: كان ذلك القميص من الجنة، عن الضحاك، وقيل: كان ذلك القميص قميص إبْرَاهِيمَ سار إلى يعقوب فجعله في قصبة حديد، وعلقه على يوسف، عن مجاهد «فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي