التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم فكيف كان عقاب 32 أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت وجعلوا لله شركاء قل سموهم أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض أم بظاهر من القول بل زين للذين كفروا مكرهم وصدوا عن السبيل ومن يضلل الله فما له من هاد 33 لهم عذاب في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أشق وما لهم من الله من واق 34}

صفحة 3804 - الجزء 5

  عن مجاهد، وقتادة، والضحاك، وأبي القاسم. وقيل: إلا أن يقتصروا على القول من غير رجوع إلى حقيقة وحجة، عن قتادة، ومجاهد. وقيل: بظاهر من القول أي الذي أنزله على أنبيائه، عن أبي علي. يعني ليس ذلك في شيء مما أنزل عليهم.

  ثم ببَيَّن تعالى بطلان قولهم وأنهم لا يقولون بحجة، فقال سبحانه: «بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ» قيل: إنما زين لهم ذلك شياطين الإنس والجن ولذلك ذمهم عليه، عن أبي علي. ولو كان هو الفاعل لما ذمهم، وقيل: زينت أنفسهم لهم وبعضهم لبعض، عن أبي مسلم. «وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ» أي: أعرضوا، وقيل: صرفوا غيرهم، وبضم الصاد صرفوا، يعني شياطين الإنس والجن، وقيل: صدوا أعرضوا فلم يؤمنوا ومنعوا غيرهم، فيحمل على الوجهين «وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ» قيل: يحكم بضلاله فلا تنفعه هداية غيره، عن الأصم. وقيل: من أضله عن طريق الجنة لا يهديه إليه أحد، عن أبي علي، والقاضي. وقيل: من يجده ضالاً عن الإيمان.

  ثم بيَّن ما لهم جزاء على كفرهم، فقال سبحانه: «لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ» أي: أشد على النفس وأعظم لدوامه وكثرته وخلوصه «وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ» من دافع يدفع العذاب عنهم ويقيهم ذلك، وقيل: عذاب الدنيا القتل والأسر واللعن، عن الأصم، والقاضي. وقيل: الإذلال واللعن، عن أبي علي. وقيل: المصائب والأمراض، عن ابن عباس. وقد اختلفت فيه، فقيل: إنه إذا نزل بِالْمُصِرّ يكون عقابًا وبالمؤمن امتحانًا، وقيل: إنه امتحان في الجميع، قال القاضي: وهو الأصح لما يجب عليه من الصبر والرضا، ولنزوله بمن ليس من أهل العقوبة على الحد الذي ينزل بغيره.