التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم فكيف كان عقاب 32 أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت وجعلوا لله شركاء قل سموهم أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض أم بظاهر من القول بل زين للذين كفروا مكرهم وصدوا عن السبيل ومن يضلل الله فما له من هاد 33 لهم عذاب في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أشق وما لهم من الله من واق 34}

صفحة 3803 - الجزء 5

  واختلفوا في معنى الآية على قولين:

  أولهما: قالوا: من يعني به اللَّه سبحانه، ثم اختلفوا فقيل: الرب الذي هو دائم لا يبيد، قائم بحفظ الخلق وتدبيرهم كمن هو هالك بائد، لا يسمع ولا يبصر، ولا ينفع ولا يضر، وقيل: معناه اللَّه تعالى بهذه الصفة أم شركاؤهم؟، وقيل: هو يتصل بقوله: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} تقديره: أبِاللَّهِ الذي هذه صفته يكفرون أم ينبئونه بما لا يعلم؟!، عن أبي مسلم. وقيل: أفمن كان بهذه الصفة أولى أن يتخذ معبودًا أمن ليس بهذه الصفة؟!.

  الثاني: أن (مَن) كناية عن الملائكة الَّذِينَ وكلوا ببني آدم لحفظ أعمالهم.

  «وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُركَاءَ» من خلقه يعبدونها، وفي الكلام وعيد لهم.

  ثم زاد في الحجاج فقال سبحانه: «قُلْ» يا محمد: «سَمُّوهُمْ» قيل: سموهم بما يستحقون من الأسماء التي هي صفات، ثم انظروا هل تدل صفاتهم على جواز عبادتهم واتخاذهم آلهة، وقيل: سموهم فإن سموهم آلهة كذبوا على أنفسهم، وقيل: سموهم أي: ليس لهم اسم له مدخل في باب الإلهية، وذلك استحقار لهم؛ لأن الإلهية تستحق بصفات هي أعلى من صفاتهم، وقيل: سموهم باسم يصح بالحجة «أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ» أي: تخبرونه بما لم يعلم، يعني إلا أن يصفوها بما لا يصح أن يعلم لأنه تعالى لا يعلم لنفسه شريكًا، فهو نفي الوجود، لا نفي العلم «أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ» أي: أو يقول قولاً لا حقيقة له، وقيل: بباطل من القول،