التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين 13 ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد 14 واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد 15 من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد 16 يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ 17}

صفحة 3848 - الجزء 5

  وقيل: بل يحملون على شربه، وفي خبر مرفوع أنه ÷ قال في قوله: «يَتَجَرَّعُهُ» قال: «يقرب إليه فيكرهه، فإذا أدني منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه، فإذا شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره لقول اللَّه تعالى: {فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ ١٥}⁣[محمد: ١٥] {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ}⁣[الكهف: ٢٩].

  «وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ» قيل: العذاب؛ لأنه لا موت في الآخرة، عن الأخفش وجماعة، فكأنه عذاب كالموت، وقيل: أسباب الموت كقوله: {إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ}.

  «مِنْ كُلِّ مَكَانٍ» قيل: تأتيهم الآلام من كل بعض من أبعاضهم، وقيل: تأتيهم النيران من جوانبهم الأربع، عن ابن عباس، وأبي علي. وقيل: من ظاهره وباطنه، عن الحسن. وقيل: من تحت كل شعرة من كل مكان في جسده، عن إبراهيم. أي: من كل مكان من جسده، وقيل: ليس نوع من أنواع العذاب إلا ويأتيه سوى الموت «وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ» فيستريح «وَمِنْ وَرَائِهِ» قيل: أمامه، وقيل: من بعده «عَذَابٌ غَلِيظٌ» أي: شديد متوقع على الدوام لا ينقطع، فكما أنهم لا يموتون لا ينقطع عنهم العقاب، وقيل: عذاب أوجع وأشد مما تقدم، عن الأصم. وقيل: عذاب زائد، وقيل: هو تجديد الجلود بعد اللفح، وقيل: هو حبس النفس.

  · الأحكام: تدل الآية أنه تعالى أهلك الكفار وأسكن المؤمنين ديارهم من حيث كان وصفهم ما ذكر.