التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون 3}

صفحة 227 - الجزء 1

  والغيب: نقيض الشهادة، وهو مصدر وُضِعَ موضع الاسم، يقال للغائب: غيب.

  ومنه: {عالِمُ الغَيبِ} ما غاب عن الحاسة، أي خفي، ويقال: غاب عني إذا خفي عن الأبصار، وذكر أبو علي أن الغيب على ضربين: منه ما لا دليل عليه، فلا يعلمه إلا اللَّه، ومنه ما عليه دليل، فنعلمه، إلا أن عالِم الغيب لا يطلق إلا على اللَّه تعالى؛ لأنه يوهم العلم بالجميع، وذكر أبو هاشم أن الغيب ما لا طريق إلى معرفته ضرورة واستدلالا، وربما يمر في كلامه ما قدمنا.

  وإقامة الصلاة: مأخوذ من تقويم الشيء وتحقيقه، وقيل: سمي أداؤها إقامة؛ لما فيها من القيام، وأصل الإقامة القيام، وهو الانتصاب، والصلاة في اللغة: الدعاء، وقيل: أصله اللزوم، وقيل: أصله رفع الصلا في الركوع والسجود، وهو عظم في العجز، وفي الشرع: اسم لأفعال مخصوصة.

  والرزق: نقيض الحرمان، وقيل: هو العطاء الجاري، وقيل: أصله الحظ والنصيب. ومنه: {وَتجعَلُونَ رِزقَكُم} والإنفاق: أصله الإخراج، يقال: أنفق ماله إذا أخرجه عن ملكه.

  · الإعراب: الَّذِينَ: يحتمل أن يكون محله نصبا وجرا ورفعا، أما الجر فعلى أنه صفة للمتقين، وأما النصب فعلى المدح، تقديره: أعني الَّذِينَ يؤمنون، وأما الرفع فعلى معنى هم الَّذِينَ، فيكون خبر ابتداء محذوف.

  · المعنى: لما وصف القرآن بأنه هدى للمتقين بَيَّنَ صفة المتقين، فقال تعالى: «الَّذِينَ يُؤْمِنونَ بِالغَيْبِ» قيل: يصدقون بالقيامة والجنة والنار عن الحسن، وعليه أكثر المفسرين، وقيل: يؤمنون في حال الغيبة، كما يؤمنون إذا كانوا بحضرة النبي ÷ فيوافق ظاهرهم باطنهم، خلاف المنافقين، عن أبي مسلم.