التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون 26 والجان خلقناه من قبل من نار السموم 27 وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون 28 فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين 29 فسجد الملائكة كلهم أجمعون 30}

صفحة 3948 - الجزء 6

  عليه، وقيل: تشريفاً وتعظيماً «فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ» قيل: سجود تحية لا سجود عبادة، فالعبادة لله والتحية لآدم، عن أبي القاسم، وقيل: هو قبلة السجود كالكعبة، عن أبي علي «فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ» المأمورون «كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ» قيل: إنه تأكيد على تأكيد، عن الخليل، وسيبويه، والزجاج. قال المبرد: (كلُّهُمْ) تدل على أنهم اجتمعوا في السجود و «أَجْمَعُونَ» تدل على اجتماعهم على السجود في حالة واحدة، قال الزجاج: ولا يجوز ذلك، لأن (أجمعون) معرفة فلا يكون حالاً.

  · الأحكام: تدل الآية على أنه تعالى خلق آدم من صلصال كما بين، ولو أوجده ابتداء كان مقدورًا عليه إلا أنه خلقه منه لمصلحة كما خلق أولاده من ماء مهين، وقد رووا فيه أنه أخذ التراب من جميع وجه الأرض وأنه بعث ملكاً بعد ملك، فاستعاذ ولم يأخذ، وذلك مما ينكره العقل.

  وتدل على أنه خلق الجان من نار، وأنه خلق قبل خلق آدم، وقيل: إن الجن غير الشياطين، وذلك بعيد لأن الجن اسم لجنس مخصوص، ثم كافرهم يسمى شيطاناً، ولا خلاف بين مشايخنا أنهم مكلفون كما نحن، وقد نطق القرآن بذلك، ومن قال: إنهم مجبورون لا يستحقون ثواباً وعقاباً ليس بشيء.

  وتدل أنه أكرم آدم بالأمر بالسجود له.

  ومتى قيل: أفيدل ذلك على أنه أفضل منهم؟

  فجوابنا: لا، لأنه لا يمتتع أن يأمر الأفضل بتعظيم المفضول، وقد أمر العبد بتعظيم مولاه، وإن كان أفضل منه.

  وتدل على أن السجود فعلُهم حادث من جهتهم لذلك صح الأمر به والعقاب على تركه.