قوله تعالى: {خلق السماوات والأرض بالحق تعالى عما يشركون 3 خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين 4 والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون 5}
  والأنعام: البهائم، وهي الإبل والبقر والشاء، فإذا قيل: نِعم فهي الإبل خاصة، قال الفراء: فهو ذكر لا يؤنث، وإنما سميت نعماً للين مشيه، وخرج من ذلك الحافر لصلابة وقعها.
  والدفء: خلاف البرد، رجل دفآن، وامرأة دفآني، وبيت دفيء، قال الفراء: الدفء ما يستدفأ به من أشعارها وأوبارها، وقد يدفأ الرجل بالمكان، ودفؤ الزمان فهو دفئ، ودفئ الرجل فهو دفآن، وقيل: الدفء الحر المعتدل من حر البدن الذي يكون بالدثار.
  · النزول: قيل: نزلت الآية في أبي بن خلف الجمحي، حين جاء بالعظم الرميم إلى رسول اللَّه ÷ وقال: يا محمد أترى اللَّه يحيي هذا بعد ما قد رم؟ فنزلت الآية فيه: {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ}[يس: ٧٧] عن ابن عباس، والحسن.
  · المعنى: لما بيّن تعالى أنه يبعث الملائكة للإنذار وبيان التوحيد والدين أتبعه بذكر الدلائل والنعم التي بها تلزم العبادة، فقال سبحانه: «خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ» قيل: جمع السماوات ولم يجمع الأرض لأنه أراد الجنس «بِالْحَقِّ» قيل: لينتفع بها في الدنيا والدين، وقيل: استدل بهما عليه، ويتوصل بالنظر فيهما إلى معرفته ومعرفة صفاته وحكمته، فكان بالحق تعظم «عَمَّا يُشْرِكُونَ» عن وصفهم له بالشريك.
  ثم بين دلالة أخرى في نفس الإنسان، فقال سبحانه: «خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ» قيل: ماء الفحل، وقيل: يخلق من ماء الرجل وماء المرأة، والماء القليل يسمى نطفة، والكثير أيضاً يسمى نطفة غير أنه بالتقارب غلب على ماء الفحل «فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ» قيل: أخرج من النطفة ماء هذه صفته، وهو أنه يخاصم عن نفسه، ويتبين أحواله وما في ضميره، فبين تعالى أنقص أحواله، وأكمل أحواله منبهاً على كمال قدرته