التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {والله يعلم ما تسرون وما تعلنون 19 والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون 20 أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون 21 إلهكم إله واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون 22 لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه لا يحب المستكبرين 23}

صفحة 4015 - الجزء 6

  والعلن «وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ» أي: تدعونه إلهاً، وهو الأصنام «لاَ يَخْلُقُونَ شَيئًا» أي: لا يقدرون على خلق شيء ولا نفع ولا ضر «وَهُمْ يُخلقونَ» لأنهم محدثون فلا بد لهم من محدث صانع، وإذا كان القادر بالقدرة لا يصح منه خلق الجواهر والأجسام فلا بد لها من صانع مخالف للأجسام، فبهذا الترتيب تدل على الصانع .

  ثم وصف الأوثان فقال سبحانه: «أَمْوَاتٌ غَيرُ أَحْيَاءٍ» يعني هذه الأصنام «أَمْوَاتٌ» أي: في حكم الأموات «وَمَا يَشْعُرُونَ [أَيَّانَ يُبْعَثُونَ]» أي: ما يعلمون متى يبعثون، وعبر عنها كما يعبر عن العقلاء على حسب اعتقادهم فيها، عن أبي مسلم. وقيل:

  هَؤُلَاءِ الكفار في حكم الأموات لكفرهم وذهابهم عن الدين، وما يدرون متى يبعثون، وقيل: لا يدري العابد ولا المعبود متى يبعثون، حكاه الأصم، قال أبو علي: لا تدري الأصنام متى يبعث الخلق، وهو نسق الكلام، وقوله: «غَيْرُ أَحْيَاءٍ» ذكر تأكيداً، وقيل: لأنه يقال للحي: ميت تشبيهاً، فأكد أن هَؤُلَاءِ الأصنام أموات، وقيل:

  لأنه أخبر بأنهم ما كانوا أحياء ولا يكونون أحياء أبداً، إذ الميت يجوز أن يحيا في الثاني، ويجوز أن يحيا أولاً ثم يموت ثانياً.

  ثم بين أن الأصنام قط لا يكونون أحياء «إِلَهُكُمْ» أي: خالقكم الذي دبر هذه الأشياء فاستحق العبادة عليكم «إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قيل: مشركي العرب، وقيل: جميع الكفار «قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ» جاحدة للتوحيد غير عارفة به «وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ» يتعظمون ويأنفون عن أن يكونوا أتباعاً للأنبياء ويدينون بدينهم، عن أبي علي، وقيل: استكبروا عن أن يعبدوا رباً واحداً «لاَ جَرَمَ» قيل: الجرم القطع