التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلاغ المبين 35 ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين 36 إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين 37}

صفحة 4032 - الجزء 6

  وتوليه، وهم المؤمنون، عن أبي علي، وأبي مسلم، قال: والضلال عن طريق الجنة والرحمة، والضلال بمعنى الهلاك، كقوله: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ}⁣[القمر: ٤٧]، عن أبي علي. وقيل: منهم من استحق الضلالة بكفره وتكذيبه، عن الأصم، ومعناه: حقيق أن يضل لما لم يقبل الهداية.

  ثم أمر بالاعتبار بحال أولئك مبيناً أنه تعالى لم يشأ كفرهم بل كره، لذلك عاقبهم، فقال سبحانه: «فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ» خطاب لهذه الأمة «فَانْظُرُوا كَيفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذّبينَ» ممن تقدم فكذبوا الرسل، لما قال اللَّه تعالى لا يريد الكفر فكذبوه في ذلك، فأهلكهم، لأن المكذب يكذب غيره فيما يقوله، فلما قالوا: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ} وكذبوا الرسل في هذه المسألة دل أن مذهب الرسل أنه لا يشاء الشرك «إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ» قيل: على إسلامهم وكان حريصاً على إيمانهم، وقيل: على نجاتهم ودخولهم الجنة، عن أبي علي. «فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ» بفتح الياء على قراءة الكوفيين، قيل: من حكم بضلالته لا يحكم بهدايته أحد، وقيل: من يجده ضالاً عند إرشاده، وقيل: لا يلطف لمن يضل، وقيل: لا يثيب ولا يهدي إلى الجنة من يعاقب، لأن الجمع بين الثواب والعقاب لا يجوز، عن أبي علي، وقيل: لا يهدي بالضلال الذي جعله كفرًا، أي: لا يكون العبد مهتدياً بالشرك، عن الأصم، وقيل: لا يدخل الجنة من يضل عن أمره، عن أبي مسلم، وقيل: يهدي بمعنى يهتدي، يعني من أضله اللَّه لا يهتدي، فأما إذا قرئ بضم الياء وفتح الدال [من «يُهدَى»] على قراءة الحجاز والشام والبصرة، فقيل: من يهلكه لا ينجيه أحد، وقيل: من يحكم بضلاله لا ينفعه هداية أحد، وقيل: من أضله عن طريق الجنة لا يهديه إليه أحد، عن أبي علي، وتقدير الكلام على هذه القراءة: فإن اللَّه من يضله لا يهدى «وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ» يدفع العذاب عنهم، وذلك دليل أنه أراد بالضلال إما العذاب وإما الحكم بالضلال.