التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلاغ المبين 35 ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين 36 إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين 37}

صفحة 4031 - الجزء 6

  نعبد معه غيره لفعلنا كذلك «وَلَا آبَاؤُنَا» أي: ولو أراد من آبائنا أيضاً عبادته وحده لفعلوا «وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ» أي: لو أراد أن لا نحرم شيئاً لما حرمنا، وهو ما كانوا عليه من تحريم البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، فحكى عنهم ما يعتقده أهل الجبر، أي: لولا أنه أراد منا الشرك والتحريم وإلا ما كانوا عليه، وهذا بعينه مذهب القوم «كذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ» من الأمم الكفرة قالوا مثل قولهم وفعلوا مثل فعلهم في الكفر والعصيان، وإنما شبه فعلهم بفعل أولئك ذماً وتهجيناً وتحذيرًا أن ينالهم مثل ما نال أولئك «فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ» أي: ليس عليهم إلا أداء الرسالة، وإظهار الأدلة، وبيان الشرائع، وليس [عليهم] الإلجاء إلى القبول، فبين أن على الرسول رد قولهم {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ} بإقامة الحجة على بطلان مذهبهم، وقيل: ليس عليه بيان فساد الاعتقادات بما يرجع إلى العقليات، ولكن عليه أداء الشرائع، وليس بالوجه، لأن عليه بيان الحجج والدعاء إلى النظر، ولذلك بدأ الرسل كلهم بالدعاء إلى التوحيد، وكما يحكى عن القوم خلاف الحق في مشيئته.

  ورد عليهم ونبه على أن إرادته فيما أمرهم به، فقال سبحانه: «وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ» جماعة وقرن ممن تقدم «رَسُولاً» ليدعوهم إلى الحق «أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ» أي: وحدوه واعبدوه وحده، يعني لو شاء عبادة غير اللَّه والشرك لما بعث الرسل إلى خلاف مشيئته، ولما أمر بخلاف مشيئته، ولما عاقب على وجود ما شاء «وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ» واتباعه، عن أبي علي، وقيل: إغواءه، واختلفوا فقيل: الطاغوت الشيطان، عن الأصم، وقيل: ما عبد من دون اللَّه، عن أبي علي، وأبي مسلم، وقيل: شياطين الإنس والجن «فَمِنْهُمْ» من تلك الأمم «مَنْ هَدَى اللَّهُ» أن منهم من اهتدى بهدْي اللَّه فأوجب له الجنة، عن أبي مسلم، وقيل: فمنهم من هداه إلى جنته