التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم تالله لتسألن عما كنتم تفترون 56 ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون 57 وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم 58 يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون 59 للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم 60}

صفحة 4054 - الجزء 6

  · المعنى: ثم حكى عنهم من خبيث أفعالهم وإفراط جهلهم معجباً، فقال سبحانه: «وَيَجْعَلُونَ» يعني هَؤُلَاءِ المشركين «لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ» قيل: تنصرف الكناية إلى المشركين أي: أن المشركين لا يعلمون، وقيل: تعود إلى الأصنام أي: لا تعلم الأصنام ما يفعل عبادها، ولا تكافئهم عليها، والأول الوجه لأن نفي العلم عن الحي حقيقة، ولأنه أظهر في الكلام لرجوعه إلى قوله: «وَيَجَعَلُونَ». ومن قال بالوجه الأول اختلفوا فقيل: يجعل المشركون للأصنام نصيباً، ولا يعلمون لهم نصيباً، عن الأصم، وقيل: يجعلون لما لا يعلمون أنه يضر وشفع نصيباً مما رزقناهم، أي: يتقربون إليه، عن مجاهد، وقتادة، وابن زيد، وقيل: ادعوا لله شركاء وهم لا يعلمون، وما لا يعلم هو ما لا حقيقة له ولا وجود، عن أبي مسلم، وقيل: لأنهم بجهلهم بِاللَّهِ اتخذوها آلهة، عن أبي علي وتقديره: لا يعلمون أنها لا تصلح أن تكون إلهاً، وأنه لا شريك له، «نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ» أي: حظاً مما أعطيناهم من الأموال، يعني هم لا يقدرون على شيء من الأرزاق، ونحن نعطيهم النعم، ثم هم يجعلون لهم من ذلك نصيباً، وجعل النصيب لهم يحتمل ثلاثة أشياء:

  أحدها: ما عنى بقوله: {هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا}⁣[الأنعام: ١٣٦] يتقربون بها إلى الأصنام.

  وثانيها: أنها البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، عن الحسن.

  وثالثها: أن بعض ذلك أعطوا من جهتهم كما يقوله المنجمون في بعض النعم: إنه من السعدين ونحوه.