التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون 61 ويجعلون لله ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون 62 تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم 63}

صفحة 4058 - الجزء 6

  وقولهم: ما أفرطت ورائي أحداً، أي: ما خلفت، يرجع إلى التقدم، أي: ما تقدمت أحداً ورائي.

  والجرم: أصله القطع، وقيل: الكسب، و «لا جرم» قيل: مأخوذ من الكسب أي: كسب فعلهم لهم النار، وقيل: العلم بذلك خارج عن حد الاكتساب، ومعناه زوال الشك، عن أبي مسلم.

  · الإعراب: «عليها» كناية عن غير مذكور تقديره: ما ترك على ظهر الأرض، وكثيرًا ما يفعل العرب ذلك في مخاطبتهم لعلم المخاطب به، يقولون: ما عليها أكرم من فلان ولا على ظهرها أعلم من فلان، ويقولون مثل ذلك في الكور والمدن يقال في المدينة:

  ما بين لابتيها مثله.

  {أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى} موضعه نصب لأنه بدل من الكذب، لأنه بيان له وترحمة، وقيل: {أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى}: بأن لهم الحسنى.

  · المعنى: ثم بين تعالى أنهم فيما وصفوا اللَّه تعالى به وفيما يدينون به من الباطل ظلموا أنفسهم، ولو واخذهم تعالى لأهلكهم في الحال ولكن يؤخرهم مصلحة، فقال سبحانه وتعالى: «وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ» أي: لو عجل عقوبتهم على ظلمهم وكفرهم لـ (مَا تَرَكَ عَلَيْهَا) أي: على الأرض «مِنْ دَابَّةٍ» أي: حيوان يدب، قيل: بين تعالى أن الظلم يوجب العقوبة، وتأخيرها للحكمة، فلا ينبغي أن يغتر الظالم