التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون 61 ويجعلون لله ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون 62 تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم 63}

صفحة 4061 - الجزء 6

  · الأحكام: تدل الآية أنه تعالى يمهل مع استحقاق العقوبة لنوع مصلحة، وقد اختلف مشايخنا في من المعلوم أنه لو أبقاه لآمن أَهَلْ يجوز اخترامه؟ فقال أبو هاشم: يجوز؛ لأن التكليف تفضل فلا تجب التبقية، وقال أبو علي وأبو القاسم: يجب تبقيته ولا يجوز اخترامه، واختلفت عللهما، فقال أبو علي: لأنه مفسدة، وقال أبو القاسم: لأنه أصلح، واتفقوا أنه يجوز تبقية من يعلم أنه يكفر، فيبطل بذلك جميع عللهم.

  وتدل على أنه منعم بهذا التأخير، وإنَّمَا يتم هذا على مذهبنا أنه أمهلهم ليؤمنوا، فأما عند الْمُجْبِرَة أمهلهم ليكفروا فهو إلى النعمة أقرب.

  ويدل قوله: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ} أن كل ميت ومقتول فله أجل، ويبطل القول بالأجلين.

  ويدل قوله: {فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ} على أن التزيين بالدعاء والوسوسة، وأنه فعل الشيطان، فيبطل قول الْمُجْبِرَةِ: إن اللَّه هو المزين.

  وتدل على بطلان قول الْمُجْبِرَةِ في المخلوق من وجوه:

  منها: أنه لو خلقه فيهم كان هلاكهم بظلمه لا بظلمهم.

  ومنها: أنه ذكر أنه يؤخرهم ليتوبوا ولو كان خلقاً له لكان التعجيل والتأخير سواء، فكان الاعتبار بخلقه فيهم.

  ومنها: أنه قال: «ويجعلون» وعلى مذهبهم هو جعل لنفسه.

  ومنها: أنه قال: {وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ} فأضاف إليهم لا إلى خلقه.