التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون 61 ويجعلون لله ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون 62 تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم 63}

صفحة 4060 - الجزء 6

  ومثلًا، وتارة يضيفون الشرك إلى فعله وإرادته كقوله: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا}⁣[الأنعام: ١٤٨] وتارة باتخاذ الولد، وهذا هو الوجه، إذ لو حملناه على البنات لكان تكرارًا، فحمله على العموم أولى «وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ» يعني: يكذبون فيما يقولون: «أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى» قيل: البنين، عن مجاهد، وقيل: الجنة في الآخرة إن كان محمداً صادقاً في البعث فلنا الجنة، وقيل: لهم من اللَّه المنزلة الحسنة، عن الزجاج، وقيل: إنهم من أهل الحق، عن الأصم، وقيل: الصفات الجميلة «لاَ جَرَمَ» وعيد مقطوع به قيل: معناه: حقًّا أن لهم النار، عند أكثر المفسرين، وقيل: بلى «أَنَّ لَهُمُ النَّارَ» عن ابن عباس، وقيل: لا بد ولا محالة، وقيل: قطع الحق بقول أن لهم النار، وقيل: وجب قطعاً أن لهم النار، وقيل: كسب فعلهم أن لهم النار، وقيل: لا شك أن لهم النار، عن أبي مسلم. «وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ» قيل: متروكون فيها منسيون، عن سعيد بن جبير، وقتادة، ومجاهد، والضحاك، وقيل: مقدمون بالإعجال إلى النار، عن الحسن، وقتادة بخلاف، والفراء، والأصم، وأبي علي، وأبي مسلم، وقيل: مدخلون فيها، حكاه الأصم. «تَاللَّهِ» قسم بنفسه «لَقَدْ» تأكيد للكلام «أَرْسَلْنَا» بعثنا الأنبياء «إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ» أي: جماعة كما أرسلناك إلى هذه الأمة «فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ» يعني أفعالهم الخبيثة من المعاصي والكفران «فهُوَ» يعني الشيطان «وَلِيُّهُمُ» أي: ناصرهم ومتولي أمورهم «الْيَوْمَ» قيل: في الدنيا لأنه يتولى إغواءهم، فأما في الآخرة فيتبرأ بعضهم من بعض، عن الأصم، وأبي مسلم، وقيل: يوم القيامة لأنه لا يمكنه أن يتولى صرف المكروه عن نفسه فكيف يصرفه عنهم، ومعناه: أنه لا ولي لهم، عن أبي علي، وقيل: هو وليهم في زعمهم، وقد خاب أملهم «وَلَهُمْ» أي: للتابع والمتبوع «عَذَابٌ أَلِيمُ» أي: وجيع وهو عذاب النار.