التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعو من دونك فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون 86 وألقوا إلى الله يومئذ السلم وضل عنهم ما كانوا يفترون 87 الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون 88}

صفحة 4093 - الجزء 6

  فجوابنا: هذا لا يقولون على الحقيقة أو الاستنصار بهم، وإنما يقولون هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كنا ندعوهم شركاء متعجبين من أنفسهم كيف فعلوا ذلك، وعنهم كيف دعوا شركاء، نادمين على ذلك.

  «فَأَلْقَوْا إلَيهِمُ الْقَوْلَ» يعني الأوثان، وقد أحياهم اللَّه وأنطقهم وأحضروا وقالوا لهَؤُلَاءِ المشرَكين: «إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ» قيل: كاذبون في قولكم أنا نستحق العبادة فلسنا بأهل لها ولا بمنعمين، وقيل: إنكم لكاذبون في قولكم: أنا دعوناكم إلى العبادة، وقيل: إنكم لكاذبون في قولكم: إنها إلهة، وشركاء لله وأنا ننفع ونضر، وقيل: القول بأنا ما دعوناكم ولا شعرنا بعبادتكم ولا أمرنا به، ولا كنا أهلاً لها، وإنما نسبوهم إلى الكذب في الدنيا أنهم آلهة لا في قولهم «هَؤُلا شُرَكَاؤُنَا» لأنهم كانوا يزعمون ذلك فلا يكون كذباً، «وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّه يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ» قيل: استسلموا لله تعالى بأنه الإله المستحق للعبادة والحكم بين عباده، عن قتادة، وقيل: المراد به هَؤُلَاءِ المشركين زال عنهم نخو الجاهلية وانقادوا قسرًا وقهرًا لا اختيارًا، واعترفوا بِاللَّهِ تعالى وحده، وقيل: العابد والمعبود استسلموا، ثم يطرح الكل في النار زيادة في عذاب العباد «وَضَلَّ عَنْهُمْ» بطل «مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ» أي: يكذبون، قيل: هو أمانيهم الكاذبة أنها تشفع لهم وتضر وتنفع، وقيل: ما كانوا يعتقدونه ويعلمونه من دياناتهم الباطلة، وقيل: ضل عنهم الأوثان عند حاجتهم وصارت ضداً عليهم، عن الأصم. «الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ» قيل: أعرضوا عن دين الله، وقيل: منعوا من الإيمان، وقيل: الصادون عن البيت الحرام، عن أبي مسلم، وقيل: أعرضوا بأنفسهم ومنعوا غيرهم «زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ العَذَابِ» قيل: عذاب كفرهم وعذاب صدهم، والمراد به الرؤساء والقادة، ونظيره: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ}⁣[العنكبوت: ١٣].

  وقيل: عقاب معاصيهم إلى عذاب كفرهم، وقيل: أراد تضعيف العذاب عليهم كما استحقوا من غير بيان جنس، وقيل: هي عقارب وحيات لها أنياب أمثال النخل