التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون 91 ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة إنما يبلوكم الله به وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون 92 ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون 93 ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم 94}

صفحة 4102 - الجزء 6

  أوجب اللَّهُ من مراعاة حرمة اسمه، وقيل: بعد أن أكدتم ذلك على أنفسكم، عن أبي علي. «وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيكُمْ كَفِيلاً» قيل: شهيداً على الوفاء بذلك، وقيل: ضميناً بالجنة لمن تمسك به، عن أبي علي. وقيل: هو أن تقول: اللَّه عليَّ كفيل أو وكيل، وقيل: هو تكفل بإنصاف المظلوم منكم وهو يفعله لا محالة فاحذروا عدله «إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ» فيجازيكم به، وهذا وعيد.

  ثم ضرب مثلاً في نقض العهد فقال سبحانه: «وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا» يعني لا تكونوا كامرأة غزلت ثم نقضت غزلها بعد قوة، وقيل: هي امرأة كانت من قريش تغزل مع جواريها إلى انتصاف النهار، ثم أمرت بنقض جميع ما غزلن، فكان ذلك دأبها، عن مقاتل، والكلبي، وكانت تسمى: ريطة، وكانت خرقاء، وقيل: هو مثل ضربه اللَّه تعالى شبة به حال ناقض العهد بمن كان كذلك وإن لم يوجد، وقيل في وجه الشبه: إن ذلك سفه كذلك نقض العهد، وقيل: هو كناية عن إحباط العمل، وقيل: لأنه بفعله أخرج نفسه من أن يوثق به، كذلك من خان ونقض العهد «أَنكَاثًا» أنقاضاً «تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ» قيل: دغلاً وخيانةً وخديعةً، وقيل: مكرًا وغلاً وغشًّا، وقيل: لا تنقضوا الأيمان طمعاً في مال أو حرصاً في عز أو كثرة عدد، فهو عام، وقيل: كانوا يحلفون فإذا وجدوا حلفاً أكثر وأعز نقضوا الأول وحالفوا الأكثر، عن مجاهد، وقيل: كانوا يحلفن وداخل القلب على ترك الوفاء خلاف الظاهر «تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ» أي: تكون جماعة هي أكثر من جماعة أكثر عدداً فتحلفون معهم وتنقضون الأيمان لبعض هذة الأموز، وقيل: لا تنقضوا الأيمان إذا رأيتم عدد الأعداء أكثر كما فعلت قريظة والنضير حالفوا رسول