قوله تعالى: {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون 91 ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة إنما يبلوكم الله به وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون 92 ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون 93 ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم 94}
  اللَّه ÷ ونقضوا عهده لما رأوا كثرة الأعداء، وقيل: لا تدخلوا الحلف بينكم ليطلب بعضكم على بعض الفضل، أي: لا يحلف بعضكم لبعض على مال يصير له فيفوز به طلباً لزيادة المال على ماله كقوله: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}[البقرة: ١٨٨] عن أبي مسلم. «إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ» أي: يختبركم بالوفاء بالعهد، ومعناه يعاملكم معاملة المختبر ليقع الجزاء بالعمل، وقيل: يخبركم باختلاف أحوالكم بالغنى والفقر وقلة العدد بكثرتهم، عن أبي مسلم، وقيل: يختبركم بقلتكم وكثرة عدوكم فتصبروا، عن الأصم، وقيل: يشدد عليكم في الأيمان كيلا تنقضوا طمعًا ومداراة لذي مال أو جاه، عن أبي علي. «وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أي: يخبركم بحقيقة «مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ» من المحق والمبطل، وهذا وعيد «وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً» أي: لو شاء اللَّه لألجأكم فتصيروا على مذهب واحد لا تختلفون في شيء لأنه قادر على ذلك، ولكن يريد أن تؤمنوا باختياركم لئلا يفوت الغرض بالتكليف وهو التعريض للثواب، وقيل: لأدخلكم جميعاً الجنة «وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ» قيل: يعاقب من يشاء، أي: يكلف ليظهر الضال من المهتدي «وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» يعني: تسألن يوم القيامة عن أعمالكم وتجازون عليها.
  ثم أكد بما تقدم من النهي عن نقض الأيمان، فقال سبحانه: «وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ» قيل: تدخلون اليمين في تضاعيف كلامكم مخافة الحنث، وقيل: لا تتخذوا الأيمان مكرًا وخديعة وفساداً لأنهم يسكنون إلى ذلك ثم ينقضوه «فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا» قيل: فتهلكوا بعدما كنتم آمنين بثبوت القدم عبارة عن الأمن، وزوالها عن الهلاك، وقيل: هو كناية عن إحباط العمل والثواب بعد استحقاق الثواب، فثبوت