التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين 124}

صفحة 579 - الجزء 1

  عن الحسن. وقيل: ابتلاؤه بالآيات التي بعدها «إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا» ... إلى آخر الآية، وقيل: هو قوله: «إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا» فتكفل بذلك، عن أبي القاسم، وقيل: أمره بكلمات يؤديهن إلى أمته، فقام بذلك، عن أبي علي. والكل محتمل؛ لأنه يحتمل أنه ألزمه حفظًا أو فعلاً أو إبلاغًا، وإن كان الأقرب ما ذكره أبو علي. «فَأَتَمَّهُنَّ» قيل: وَفَّى بهن، عن الحسن، وقيل: عمل بهن على التمام، عن قتادة والربيع «قَال» يعني إبراهيم «وَمِنْ ذُرِّيتي» أي اجعل من ذريتي من يؤتم به، ويقتدى به، يعني من أولادي، وقيل: إنه سأل لِعَقِبِهِ أن يكونوا على عهده ودينه، كما قال:

  {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} فأخبر تعالى أن في عقبه الظالم المخالف له في دينه، بقوله: «لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ» وقال أبو علي: هو سؤال منه لله تعالى أن يعرفه أن في ولده من يبعثه نبيًّا، وقيل: يجوز أن يكون مسألة منه أن يفعل ذلك في ذريته فيجتمع في السؤال التعريف والدعاء، قال اللَّه تعالى: «لاَ يَنَالُ» لا يصيب ولا يلحق «عَهْدِي» قيل: النبوة، عن السدي وأبي علي، وقيل: الإمامة، عن مجاهد وأبي حذيفة، وقيل: رحمتي عن عطاء، وقيل: طاعتي، عن الضحاك، وقيل: أماني، عن أبي عبيدة. «الظَّالِمِينَ» من ظلم نفسه بمعصية اللَّه تعالى، وهو عند الإطلاق اسم ذم.

  · الأحكام: الآية تدل على أنه تعالى أجاب دعاء إبراهيم، وجعل في ذريته النبوة والكتاب، قال أبو علي: الآية دالة على أنه سيعطي بعض ولده لولا ذلك لكان الجواب أن يقول:

  لا، أو يقول: لا ينال عهدي ذريتك.

  وتدل على أن النُّبوّة لا تليق إلا بالمنزه عن الظلم.

  وتدل على أن في ذرية إبراهيم ظالمين، لا حظ لهم في النُّبوة.

  واحتج بعضهم بالآية على وجوب كون الأئمة والقضاة عدولاً غير ظالمين، وذلك يبعد؛ لأن ظاهره يقتضي انتفاء الظلم ظاهرًا أو باطنًا، وذلك لا يصح في الإمامة