التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون 101 قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين 102 ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين 103 إن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله ولهم عذاب أليم 104 إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون 105}

صفحة 4116 - الجزء 6

  الروح به تحيا، كما أن الإنسان يحيا بالروح، وسماه روحاً لطهارته وعصمته، وقيل:

  لأنه خلق الريح «مِنْ رَبّكَ بِالْحَقِّ» يعني: أراد به الحق قولاً وفعلاً وحجة للمؤمنين، ولم يرد به الباطل، ولا أن يكون حجة للكفار «لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا» أي: يكون لطفاً لهم، وتقوية لقلوبهم فيتثبتون، وقيل: يزيدون تصديقاً ويقيناً، وقيل: قد يكون الثاني أخف فيكون أقرب إلى الثبات، كقوله: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ}⁣[الانفال: ٦٦] «وَهُدًى» أي: دلالة على الحق وما يحتاج إليه من أمور الدين «وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ» يبشرهم بالجنة إذا ثبتوا على الإسلام «وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ» يعني المشركين «يَقُولُونَ» لك يا محمد «إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ» يقيم بعلمه هذا القرآن «بَشَرٌ» أي: آدمي مثله وليس هو من عند اللَّه ولا كلامه، واختلفوا في ذلك البشر فقيل: نصراني أعجمي كان بمكة يسمى بلعام، ربما قعد إليه النبي ÷ فقالوا: يعلمه بلعام، فنزلت الآية، عن ابن عباس، وقيل: غلام لبني المغيرة يسمى يعيش، وكان يقرأ الكتب، فقالوا: يعلمه يعيش، فنزلت الآية، عن قتادة، وعكرمة، وقيل: غلام رومي نصراني لبعض بني الحضرمي يسمى حُبر وكان يقرأ الكتب، وكان يجلس عند المروة فقالوا: يعلمه حبر، عن ابن إسحاق، قيل: كان عبدان يسمى أحدهما بشار ويكنى أبا وكيهة، والآخر حبر، وكانا يقرآن التوراة والإنجيل، وربما يقف النبي ÷ فيستمع ما يقرآن، فقالوا: يتعلم منهما، فنزلت الآية، عن الضحاك، وقيل: كان بمكة رجل نصراني يكنى أبا ميسرة يتكلم بالرومية، ربما قعد النبي ÷، فقالوا: يتعلم منه، فنزلت الآية، عن السدي، وقيل: أرادوا أقواماً من اليهود والنصارى، عن أبي علي، وقيل: قالوا: يعلمه سلمان الفارسي، عن الضحاك، وقيل: هذا لا يصح، لأن الآية مكية وسلمان أتاه بالمدينة، فقال تعالى مكذباً لهم: «لِسَانُ الذِي يُلْحِدُونَ إِلَيهِ» قيل: يميلون إليه بأنه يعلم محمداً ويشيرون عليه، وقيل: يضيفون التعليم إليه «أَعْجَمِيٌّ» أي: لا يفصح،