التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون 113 فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واشكروا نعمت الله إن كنتم إياه تعبدون 114 إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم 115 ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون 116 متاع قليل ولهم عذاب أليم 117 وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون 118}

صفحة 4133 - الجزء 6

  أي: لما تقوله ألسنتكم من الكذب «هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ» قيل: أراد البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، وقيل: بل جميع ما حرموا وحللوا بخلاف أمر اللَّه تعالى «لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ» أي: لتكذبوا على اللَّه في إضافة التحريم إليه «إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذبَ لاَ يُفْلِحُونَ» لا ينجون من عذاب اللَّه، ولا ينالون خيرا، «مَتَاعٌ قَلِيلٌ» يعني الذي هم فيه من الدنيا شيء قليل ينتفعون به «وَلَهُمْ» في الآخرة «عَذَابٌ أَلِيمٌ».

  ثم بين ما حرم على أهل الكتاب فقيل: إنه إنما اتصل به لأن ما زعموا في التحريم والتحليل كما ليس في القرآن لم يكن في التوراة أيضاً، وقيل: إذا لم يحرم على اليهود جميع الطيبات مع كفرهم فكيف يحرم على المسلمين، عن الأصم، فقال سبحانه: «وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا» أي: على اليهود «حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيكَ» يعني ما نزل في سورة (الأنعام): {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ}⁣[الانعام: ١٤٦] عن الحسن، وقتادة، وعكرمة. «مِنْ قَبْلُ» يعني من قبل نزول هذه الآية، لأن ما في (الأنعام) نزل قبل هذه الآية، وقيل: أي: من قبل نزول التحريم عليكم، وأراد به الزمان الماضي «وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ» بتحريم ذلك «وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ» بالعصيان، فشددنا تكليفهم بالتحريم، كقوله: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ}⁣[النساء: ١٦٠]. وقيل: ما ظلمناهم بالتحريم، لأن لله تعالى أن يحرم ما شاء، ولكنهم ظلموا أنفسهم بالعصيان، عن الأصم

  · الأحكام: يدل قوله: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ} على أن المراد بالقرية قرية متقدمة، عن القاضي.

  ويدل قوله: {فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا} أن الرزق لا يكون إلا حلالاً.

  قال أبو علي: وتدل على أن العبد يجب أن يقصر نفسه على ما رزقه اللَّه ولا يتعدى إلى الحرام.