التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا 4 فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا 5 ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا 6 إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا 7 عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا 8}

صفحة 4154 - الجزء 6

  وثانيها: «لِيَسُوءَ» بالياء وفتح الهمزة على واحد، قراءة ابن عامر وأبي بكر عن عاصم وحمزة: لِيَسُوءَ اللَّهُ وجوهكم، وقيل: ليسوء الوعد وجوهكم، لأنه أقرب إليه فرجع الكناية إليه.

  وثالثها: «لنسوء» بالنون وفتح الهمزة، قراءة الكسائي، وروي ذلك عن علي (كرّم اللَّه وجهه)، ويؤكد قراءة أبيّ: «لنسوء» بالنون وحذف التأكيد على التعظيم اعتبارًا ب (قضينا) و (بعثنا).

  · اللغة: القضاء: فصل الأمر على أحكام ومنه سمي القاضي، ثم يستعمل على ثلاثة أوجه: بمعنى الخلق كقوله: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ}⁣[فصلت: ١٢] وبمعنى الإيجاب كقوله: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} وبمعنى الإخبار والإعلام بما يكون من الأمر، وهو المعنى هاهنا، وأصله الإحكام.

  والعلو: الارتفاع، والعلو: ضد السفل، وعلا فلان الشيء يعلوه إذا طاله، والمعالي كسب الشرف، والعلاوة: ما يحمل على البعير بعد تمام الحمل، يقال:

  علا في المكارم يعلَى علا، وفي المكان يعلو علواً.

  والجوس: التخلل في الديار، قال الأزهري: جاسوا وطئوا، وقال الأصمعي:

  ركب فلان يجوس بني فلان ويجوسهم ويدوسهم، أي: يطأهم، وقال أبو عبيد: كل موضع خالطته ووطئته فقد جسته وجسسته، وقيل: الجوس: طلب الشيء باستقصاء، قال ابن عرفة: جاسوا عاثوا وأفسدوا.

  والخلال: انفراج بين الشيئين.