التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا 4 فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا 5 ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا 6 إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا 7 عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا 8}

صفحة 4162 - الجزء 6

  القصة

  قد أكثر في القصة عن هاتين الكرتين، واختلفوا اختلافاً شديداً، تقل الفائدة في إيراد جميعه، ونشير إلى جمل موجزة، فقيل: إن بني إسرائيل لما عتوا وقتلوا الأنبياء بعث اللَّه عليهم ملك فارس، وقد بينا ما قيل فيه، وأن منهم من قال: كانوا مؤمنين، ومنهم من قال: [بختنصر]، وقيل: كان ملك سبعمائة سنة فخرج إليهم وحاصرهم وفتح بيت المقدس، وقتل على دم يحيى سبعين ألفاً وسبى ذراريهم، وأغار عليهم، وأخرج أموالهم حتى أنزلهم بأرض بابل، فبقي بنو إسرائيل في مدة مائة سنة تستعبدهم المجوس وأولادهم ثم رحمهم اللَّه تعالى فأمر ملكاً من ملوك فارس وكان مؤمناً، فردهم إلى بيت المقدس، فأقاموا مطيعين مائة سنة، ثم عادوا في المعاصي، فغزاهم ملك رومية وسباهم، عن حذيفة، وروي مرفوعاً.

  وقال محمد بن إسحاق: كانت بنو إسرائيل وفيهم الأحداث واللَّه تعالى يتجاوز عنهم، وكان أول ما نزل بهم بسبب ذنوبهم أن اللَّه تعالى بعث إليهم شعيا قبل مبعث زكريا، وشعيا هو الذي بشر بعيسى ومحمد ª، وكان له ملك يسمى صديقة، وكان النبي يرشده ويسدده، ومرض الملك، وجاء سنحاريب إلى باب بيت المقدس بستمائة ألف راية، فهابهم الناس، ودعا الملك، فبرز ودعوا اللَّه فمات جمع سنحاريب، لم ينج إلا خمسة نفر منهم سنحاريب وهرب وأرسلوا خلفه من أخذه، ثم أمر اللَّه تعالى بإطلاقه ليخبر قومه بما نزل بهم فأطلقوه، فكان أمر سنحارب مما خوفهم به، ثم كفاهم أمره، ولم يلبث سنحاريب أن