التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا 9 وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذابا أليما 10 ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا 11 وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا 12}

صفحة 4165 - الجزء 6

  ويُقال: ما أصل (أعتدنا)؟

  قلنا: أعددنا، قلبت الدال تاء فرارًا من التضعيف إلى حرف من مخرج الدال هو أشكل به من الطاء في كلام العرب.

  وحذف الواو في {وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ} في اللفظ، ولم تحذف في المعنى، لأنها في موضع رفع.

  · النظم: يقال: كيف يتصل قوله: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ} بما قبله؟

  قلنا: أمر بني إسرائيل بالحق، والطريق المستقيم، بقوله: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ} إن تبتم وقبلتم الإسلام، بين أن ذلك الطريق هذا الكتاب الذي يدل على ما هو أحسن الأديان.

  وقيل: يتصل بقوله: {وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} أي: كما آتينا موسي الكتاب آتينا محمداً هذا القرآن، وهو أحسن وأقوم.

  وقيل: يتصل بقوله: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} كأنه قيل: أسرى بعبده وآتاه الكتاب معجزة له وهداية.

  ويُقال: كيف يتصل قوله: {وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ} بما قبله من ذكر القرآن؟

  قيل: لما بين أنه يبشر الكافرين بالعذاب عقبه بأنهم يستعجلون ذلك جحداً وإنكارًا، وأنه يمهلهم رحمة وتفضلاً، وقيل: به أسبغ إنعامه عليهم بهذا القرآن، وأن الإنسان ربما يدعو في الزجر والغضب على نفسه وأهله وماله بما لا يجب أن يستجاب له فيه، وكفرهم به واستعجالهم العذاب بجهلهم وعنادهم فلو أجاب اللَّه دعاءه لأهلكه لكن لا يجيب بفضله ورحمته، وإنما يستجيب ما فيه صلاحهم، وبين أن الآية الأخرى، أنه أنعم عليهم بوجوه النعم، وإن لم يشكروه، كالليل والنهار وغير ذلك.