التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا 9 وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذابا أليما 10 ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا 11 وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا 12}

صفحة 4166 - الجزء 6

  · المعنى: «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي» يدل «لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ» أي: الطريقة التي هي أشد استقامة، وذلك قوله: {دِينُ الْقَيِّمَةِ}⁣[البينة: ٥]، وهو دين الإسلام {وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ} يعني يعلمهم ويخبرهم بما يسرهم، وهذا توسع، لأن اللَّه يبشر بما في القرآن «الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا» أي: ثواباً، وقيل: سمي أجرًا قيل: لأنه يستحق في مقابلة العمل، كما أن الأجرة تجب في مقابلة العمل، وذلك توسع، لأن الأجرة تجب بعمل يعود نفعه على المستأجر، والثواب يجب بعمل يعود نفعه على العامل لكنه تعالى أوجب ذلك له في مقابلة عمله بفضله ورحمته، وقيل: سماه أجرة ليعلم المكلف أنه لا ينالها إلا بالكد «كَبِيرًا» عظيماً، قيل: الأجر الكبير هو الجنة وثوابها لكثرة نعيمها ودوامها «وَأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا» وجيعاً وهو عذاب النار نعوذ بِاللَّهِ منها {وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ} قيل: يدعو على نفسه وولده عند غضبه، فيقول: اللَّهم العنه واغضب عليه كما يدعو بالخير بأن يهب له النعم والأولاد، عن ابن عباس، وقتادة، ومجاهد، والأصم، وأبي علي، ولو استجاب اللَّه دعاءه لهلكوا، ولكن بفضله لا يستجيب، وقيل: يطلب ما هو شر له ليتعجل الانتفاع به، يوضحه قوله: «وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً» وقيل: يستعجلون العذاب استعجال الجاحد له، كما تدعون بالخير طائعاً فيه ونظيره قوله: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ}⁣[الانفال: ٣٢] وقوله: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ}