التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا 16 وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا 17 من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا 18 ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا 19}

صفحة 4182 - الجزء 6

  إلى اللَّه وطلب رضاه، وابتغاء ثوابه، وقيل: «وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا» أي: سارع إلى الأعمال الموجبة لها، وقيل: يكون مقصور السعي على طريقة الآخرة، وقيل: فعل الفعل الجميل «وَهُوَ مُؤْمِنٌ» أي: يعمل الصالحات مع الإيمان، فشرط أربعة شروط:

  أحدها: أن يريد بعمله ثواب الآخرة.

  والثاني: أن يريدها بأعمال الآخرة لا غيرها.

  والثالث: المسارعة، لأن قوله: «وسعى» ينبي عن ذلك.

  الرابع: الإيمان.

  «فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا» قيل: إنه يثاب ويمدح ويعطى عليه، فحل محل الشكر، ومعناه: يجازى على طاعته أحسن الجزاء، عن أبي علي، وقيل: مشكورًا مقبولاً، عن الأصم، وقيل: محفوظاً لهم حتى يدخلهم الجنة، عن الحسن، لأن الشاكر يتشدد في حفظ نعم المنعم، وقيل: أراد بالشكور أنه يقبل القليل ويعطي به الكثير، قال قتادة: شكر اللَّه حسناتهم وتجاوز عن سيئاتهم.

  · الأحكام: تدل الآية على أنه تعالى لا يهلك أحداً إلا بعد ظهور الاستحقاق بمخالفة الأمر تنزيهاً عن الظلم، فيبطل قول الْمُجْبِرَةِ في تعذيب الأطفال والابتداء بالعذاب والخلق للنار وخلق الكفر الموجب للنار.

  وتدل على ذم من طلب الدنيا بعمل الطاعة.

  وتدل على أنه ينبغي أن يطلب الآخرة بعمل الآخرة.

  وتدل على أن مريد الدنيا قد يعطى وقد لا يعطى، وقد روي عن الحسن أنه قال: