قوله تعالى: {كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا 20 انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا 21 لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا 22}
  واللام في قوله: «وَلَلْآخِرَةُ» لام التأكيد التي تكون مع القسم «فَتَقْعُدَ» نصب، لأنه جواب النهي لقوله: {لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ}. {مَذْمُومًا} نصب ب «تَقْعُدَ».
  ويُقال: لم كان جواب النهي بالفاء على تقدير الإيجاب، وبغير الفاء على تقدير النفي؟
  قلنا: لأن الفاء إنما تنصب على معنى الصرف عن العطف، فلذلك وجب أن يخرج عن معنى النفي لتحقيق الصرف، وليس كذلك جواب النهي، بغير فاء، لأنه كجواب الشرط المنفي، ولذلك لا يجوز: لا تدن من الأسد يأكلك، ويجوز: لا تدن من الأسد فيأكلك.
  · المعنى: ثم بين تعالى حكم الفريقين اللذين تقدم ذكرهما، فقال سبحانه: «كُلًّا» يعني من تقدم ذكره ممن يريد العاجلة، وممن يريد الآخرة «نُمِدُّ» أي: نعطي «هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ» يعني يعطي البر والفاجر من رزقه، ونعمه في الدنيا والآخرة للمؤمنين خاصة «مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ» أي: نعمه «وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا» قيل:
  ممنوعاً محبوساً عن البر والفاجر من عباده، وفي الآية بشارة للمؤمن، لأنه يعطيه ثواب الآخرة ولا يحرمه نعم الدنيا.
  ومتى قيل: هو يجوز أن يريد بعمله العاجل والآجل؟
  قلنا: إذا جعل الدنيا تبعاً للآخرة يجوز كالمجاهد يريد رضى اللَّه وإعزاز الدين، ويجعل طلب الغنيمة كالتبع له، فأما إذا جعل المقصود الدنيا فإنه لا يستحق به الأجر.