قوله تعالى: {ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا 25 وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا 26 إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا 27}
  وكفور: فعول من الكفر، وبناء فعول للتكثير، تقول: رجل أكول ونؤوم وكذوب وصدوق، وأصله التفريق كما يفرق البذر، إلا أنه يختص بما يكون على سبيل الفساد، وما كان في طريق الخير لا يسمى تبذيرًا وإن كثر، قال النابغة:
  تَرائِبَ يَستَضيءُ الحَليُ فيها ... كَجَمرِ النارِ [بُذَّرَ] بِالظَلامِ
  · المعنى: لما تقدم الأمر بترك الشرك وفعل الطاعات وبر الوالدين عقبه بأنه عالم بضمائرهم حثاً على الإخلاص، ثم أتبعه بذكر الإحسان إلى ذوي القرابة صلة للرحم عطفاً على بر الوالدين، ثم أوجب حق المساكين وابن السبيل، فقال سبحانه: «رَبُّكُمْ أَعْلَمُ» قيل: أكثر معلوماً، وقيل: أثبت علماً، فإنه تعالى أعلم بأن الجسم حادث من الإنسان العلم «بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ» من الإخلاص والشرك وبر الوالدين والعقوق، وقيل: بجميع ما في ضمائركم، وهو الوجه «إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ» أي: أبراراً مطيعين فيما أمركم به، والصلاح من أسماء الشرع، وذلك يتناول فعل الواجبات والامتناع من المحظورات، وقيل: هو الذي يفعل الخير ويجتنب الشر، عن الأصم، والأواب والصالحين صفتان لموصوف واحد «فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ» قيل: التوابين الَّذِينَ يتوبون مرة بعد مرة، عن سعيد بن المسيب، قال: كلما أذنب بادر بالتوبة، وقيل: الراجع عن ذنبه بالتوبة منه، عن سعيد بن جبير، وقتادة، والأصم، وأبي علي، وقيل: الراجع إلى اللَّه فيما ينوبه، عن ابن عباس، وقيل: هو الذي أجاب اللَّه دعاءه فيما دعا إذا قال قال لله، وإذا عمل عمل لله، عن الحسن، وقيل: المتوكل عليه المنقطع إليه في أمور