قوله تعالى: {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير 126}
  واختلفوا في قوله: «آمِنًا» من ماذا؟ قيل: من الجدب والقحط؛ لأن أهلها بواد غير ذي زرع، ولم يسأله أَمْنَة من خسف وانتقال؛ لأنه كان آمنًا قبل ذلك، وقيل: سأله الأمرين، وإن كان أحدهما مستأنفًا، والآخر قد كان قبل مسألته، فسأله أن يديمها له «وَارْزُقْ أَهْلَهُ» أي أعطهم من أنواع الرزق والثمرات «مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ» وإنما خص المؤمنين بالدعاء في الرزق تأدبًا بآداب اللَّه تعالى لما وفى عليه في جواب مسألته لذريته من الإمامة التي هي النبوة، فخص في الدعوة الثانية المؤمنين تقبلاً لأمر اللَّه وتأديبه، عن أبي مسلم، وقيل: ظن إبراهيم أنه إن دعا للكفار أيضًا بالرزق أنهم يكفرون بمكة ويفسدون، وربما يصدون الناس عن الحج، فدعا للمؤمنين خاصة عن القاضي، وقيل: خص المؤمنين بالدعاء لأنهم أهله دون الكفار «قَال» اللَّه تعالى «وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ» قيل: بالرزق الذي أرزقه إلى وقت مماته، وقيل:
  بالبقاء في الدنيا، وقيل: بالأمن والرزق إلى خروج محمد ÷ فيقبله أو يخليه إن أقام على الكفر، عن الحسن «ثُمَّ أَضْطَرُّهُ» يحتمل أُلْجِئُهُ، ويحتمل أصيره في الآخرة «إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ» المرجع والمثوى، وإنما قال «أَضْطَرُّهُ» لأنه يصيره بحيث يتعذر عليه الخلاص منها.
  · الأحكام: الآية تدل على تحريم مكة بعد الدعاء، وإن اختلفوا قبله، وكُلّ تَعَبُّدٍ، ذكره اللَّه في قصة إبراهيم فهو تعبد للرسول ÷ وأمته، على ما يدل عليه الكلام من بعد، فلذلك وجب ذكر أحكامه.
  وتدل على أن الكفر لا يمنع الرزق الخلال، وأنه يمتع بالبقاء والرزق كما يمتع المؤمن، وإن اختلفا في العاقبة؛ لأن الرزق ليس من باب الاستحقاق والتعظيم، ولأنه نوع تمكين يصح معه التكليف.
  وتدل على وعيده من عصى وكفر.