التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم 128}

صفحة 592 - الجزء 1

  الظلم، وقيل: أراد به العرب؛ لأنهم من ذريتهما، «أُمَّةً» جماعة وهم أمة محمد ÷ بدليل قوله: {وَابعث فِيهم رَسُولًا مِّنهُم} «مُسْلِمَينِ لَكَ» موحدَين منقادَين لك (وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا» قيل: هو من رؤية العين، وقيل: من رؤية القلب، أي علمنا مناسكنا متعبدنا، فكل متعبد منسك، عن الزجاج. وقال أبو علي: هي ما يتقرب به إلى اللَّه سبحانه من الهدْي والذبائح، وغير ذلك من أعمال الحج والعمرة. وقال قتادة: فأراهما اللَّه تعالى مناسكهما: الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، والإفاضة من عرفات، ومن جمع، ورمي الجمار، حتى أكمل له الدين، وقيل: مدائحنا، عن عطاء ومجاهد. وقيل: شرائع أبينا، فأجاب اللَّه دعاءهما، وبعث جبريل فعلمهما ذلك في يوم عرفة، فكان يقول في كل شيء: عَرَفْتَ عَرَفْتَ؟ قال: نعم، فسمي المكان عرفات، واليوم عرفة «وَتُبْ عَلينا» قيل: تقبل توبتنا، وقيل: وفقنا للتوبة، وإنما تابا من الصغائر؛ لأن الكبائر على الأنبياء لا تجوز، وقيل: تجب على ظَلَمَةِ ذريتنا، وقيل: قالاه على جهة الانقطاع إليه، والتسبيح ليقتدى بهما فيه «إِنَّكَ أنْتَ التَّوَّابُ» قيل: كثير قبول التوبة مرة بعد أخرى، وقيل: قابل التوبة من عظائم الذنوب «الرَّحِيمُ» بعباده المنعم عليهم.

  · الأحكام: الآية تدل على وجوب الانقطاع إليه تعالى، وطلب اللطف والمعونة في الدين.

  وتدل على حسن دعاء الغير للغير.

  وتدل على أن في ذريتهما من يكون مسلمًا، كمن يكون فيهم من يكون ظالمًا.

  وتدل على جواز الصغائر على الأنبياء؛ إذ لا يحسن أن يقول: اغفر ذنبي ولا ذنب له، كذلك لا تحسن التوبة ولم يسلف منه شيء.

  وتدل على جواز الدعاء بما يعلم الداعي أنه يكون لا محالة؛ لأنهما علما أنهما لا يفارقان الإسلام، ولا يقترفان الكبائر.