التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله إنه كان بكم رحيما 66 وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا 67 أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا ثم لا تجدوا لكم وكيلا 68 أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا 69}

صفحة 4258 - الجزء 6

  ومتى قيل: لِمَ أضاف الإزجاء إلى نفسه وقد يكون السوق فعل العباد؟

  قلنا: لأن الغالب أنه يجريه بالريح، ولأنه جعل الماء بصفة تجري فيه السفن، وخلق الخشب بحيث يقف ولا يرسب، فلما كانت هذه الأسباب من جهته جاز أن يضاف إليه.

  «وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ» أي أصابكم جهد وشدة في البحر بضلال أو خوف غرق أو شدة ريح أو غيرها من المكاره، وخص البحر لكثرة أهواله وخوف راكبه على نفسه وماله «ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ» يعني. أيقنتم أنكم لا تجدون ملجأً غيره، وقيل: ضل عنكم من كنتم دعوتموه إلهاً غيره «فَلَمَّا نَجَّاكُمْ» أخلصكم «إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ» عن الإيمان والطاعة كفرًا بالنعمة «وَكَانَ الإنْسَانُ كَفُورًا» وعادته الكفر بالنعم، وهذه عادة من لا يعرف اللَّه حق معرفته ويدعوه في الشدة وينساه في النعم «أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ» يعني: إن أمنتم في البحر فهل أمنتم في البر أن يخسف بكم وأن يعود بكم (جانب البر) أي: ناحية من البر، يعني أنه قادر على خسفكم في البر كما كان قادرًا على إهلاككم في البحر «أَوْ يُرْسِلَ عَلَيكُمْ حَاصِباً» من الريح، قيل: ريحاً حاصباً أي: يحصب بالحجارة من السماء، عن أبي عبيدة، [والقتبي]. وقيل: حجارة، عن أبي مسلم. وقيل: حاصباً ذو حصب «ثُمَّ لا