التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا 94 قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا 95 قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم إنه كان بعباده خبيرا بصيرا 96 ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا 97}

صفحة 4313 - الجزء 6

  «كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا» أي: من شهيد، قيل: قالوا: من يشهد لك يا محمد أنك رسول اللَّه؟ فنزل قوله: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ}، حكاه الأصم.

  · المعنى: ثم بين تعالى بعد ذكر الدلائل أنه لا منع لهم عن الإيمان، وأن الأعذار مرتفعة، والعلل مزاحة، فقال سبحانه: «وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا» أي شيء منعهم عن الإيمان، وهو استفهام والمراد الإنكار، أي: لا شيء يمنعهم منه «إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى» قيل: الدلائل، وقيل: أراد القرآن «إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا» يعني لم يؤمنوا واعتلوا بأن الرسول لا يكون من البشر، هذا جهل لأن الاعتبار بالمصالح لا يصح، ولأنه لو أتاهم ملك لكانوا يقولون: أتانا من غير الجنس فيكون فيه سد باب النبوات إذ لا غاية للتعبد «قل» يا محمد «لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا» قيل: مطمئنين ساكنين قاطنين، لنزلنا إليهم رسولاً منهم، عن الحسن، والأصم. وقيل: مطمئنين إلى الدنيا ولذاتها غير خائفين، ولا متعبدين بشرع؛ لأن المطمئن من زال عنه الخوف، عن أبي علي. يعني لو كان ثم ملائكة على هذه الصفة لنزلنا عليهم ملكاً، وقيل: لو كان أهل الأرض لأنه إلى القبول منه أسرع ملائكة لبعث إليهم ملكاً ليكون إلى أنفسهم عنه