التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا 53 ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا 54 وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا 55}

صفحة 4442 - الجزء 6

  العلة لا مانع من الإيمان ولا عذر له في تركه «إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى» يعني القرآن والإسلام «وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ» يعني وما المانع لهم من الاستغفار وهو طلب المغفرة لذنوبهم «إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ» قيل: هذا ليس باستثناء حقيقي، واختلفوا، فمنهم من قال: المراد به لا مانع لهم أصلاً، وإنما ذكر الوجهين للعلم بأنهم لا يهتدون، ومنهم قال: المراد به الشرط، فكأنه دل على أنه لا مانع إلا ما ذكره آخرًا، ومعنى قوله: {سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ} أي: طريقة اللَّه في إهلاك من عصاه من الأولين كعاد وثمود «أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا» عياناً، عن ابن عباس. وقيل: فجأة، عن مجاهد. وقيل: صنفاً صنفاً عنى قراءة الضم. من حيث يشعرون ومن حيث لا يشعرون، وقيل: هو السيف يوم بدر، وقيل: «قُبُلًا» مقابلة، عن أبي عبيدة.

  · الأحكام: تدل الآية على أن المجرم في النار، وأنه لا ناصر له، ولا مصرف، وهذا عام في كل مجرم، فيبطل قول المرجئة.

  وتدل على أنه صرف الآيات ليتفكر فيها، فتدل على صحة الحجاج في الدين، وحسن النظر، وذم التقليد. {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ} أنه لا مانع لهم عن الإيمان، وهذا إنما يصح على مذهب العدل لما قالوا: إن المكلف مزاح العلة، مخير، قادر على الحسن والقبيح، أعطي القدرة والآلة، فأما على مذهب الجبر فلا يصح؛ لأن