قوله تعالى: {واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا 16 فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا 17 قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا 18 قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا 19 قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا 20}
  · القراءة: قرأ أبو عمرو ونافع ويعقوب: (ليَهَبَ) بالياء بغير ألف، يعني ليهب اللَّه لك، قال الفراء: في قوله: «لأهب» أقوال:
  أولها: على الحكاية بتقدير: قال ربك، لأهب لك.
  وثانيها: قال الحسن: لأهب بأمر اللَّه غلاماً؛ أي: صار بالبشارة كأنه وهب لها، كقولهم: جئتك بالولاية.
  وثالثها: نفخ جبريل فيها، واللَّه تعالى خلق الولد من تلك النفخة فأضيف إلى السبب.
  ومتى قيل: لم لا يجوز أن يضاف إلى جبريل؟
  قلنا: لأن خلق الأجسام ليس بمقدور لأحد سوى اللَّه تعالى، فلا بد من تأويل، والأول الوجه.
  · اللغة: النبذ: هو الطرح والإلقاء، والانتباذ افتعال منه {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ}[ال عمران: ١٨٧] وانتبذت، يقال: جلس [نَبْذَةً] من الناس، ونُبْذَةً بفتح النون وضمها أي: ناحية، وهذا إذا جلس قريباً منك، حتى لو نبذت إليه شيئاً وصل إليه، ونبذت الشيء رميت، ومنه النبيذ؛ لأنه يطرح في الإناء ويصب عليه الماء حتى يُدرك،