قوله تعالى: {واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا 16 فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا 17 قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا 18 قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا 19 قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا 20}
  حيث أخبر عن كتبهم من غير قراءة ولا سماع «مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ» قيل: انفردت، عن قتادة. وقيل: تَنَحَّتْ، عن الكلبي. وقيل: اتخذت مكاناً تنفرد فيه للعبادة لئلا تشتغل بكلام الناس، عن أبي علي. وقيل: تباعدت عن قومها حتى لم يروها، عن الأصم، وأبي مسلم. وقيل: اعتزلت وجلست ناحية «مِنْ أَهْلِهَا» من قومها، قيل: كانت في المسجد ما دامت طاهرًا، فإذا حاضت تحولت إلى بيت خالتها وهي دار زكريا، فإذا طهرت واغتسلت عادت إلى المسجد، عن عكرمة. وقيل: حاضت فخرجت، وقيل: أرادت أن تغتسل، وقيل: تمشطت، وقيل: فبينما هي تغتسل مرة إذ تمثل لها جبريل «مَكَانًا شَرْقِيًّا» يعني مشرقة، وهو موضع في الدار يلي المشرق، وجلست فيها لأنها كانت في الشتاء، قال الحسن: اتخذت النصارى المشرق قِبْلَةً؛ لأن مريم انتبذت مكاناً شرقياً «فَاتَّخَذَتْ» ضربت «مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا» أيْ: حِجَابًا بينهم وبينها للستر، قيل: من الجدران، عن السدي. وقيل: سترًا، عن ابن عباس. وقيل: جعلت الجبل بينها وبينهم، عن مقاتل. وقيل: اتخذت الستر للغسل، وقيل: للعبادة، عن أبي علي. «فَأَرْسَلْنَا إِلَيهَا رُوحَنَا» قيل: جبريل، عن أكثر المفسرين. فرأت جبريل على صورة شاب أمرد، حسن الوجه، سوي الخلق، وسمي روحاً لأنه روحاني، وقيل: خلق من الريح، وقيل: لأن الدين يحيا به، وقيل: الروح الذي منها خلق اللَّه المسيح وصوره إنسانًا، عن أبي مسلم. والأول الوجه لإجماع